نُصْحي له وانثَنَى عن ذلك الغَرَض، ولقِيَ أبا محمد على غيرِ الوَجْه الَّذي كان قد عَزَمَ على لقائه به؛ وقد جَرَى له مِثلُ هذا الَّذي أشارَ إليه الفَصيحُ معَ الأستاذ أبي عبد الله بن أحمدَ بن هِشَام الإشبِيليِّ مُستوطِنِ سَبْتةَ، وسيأتي ذكْرُ ذلك في رَسْم أبي عبد الله إن شاء الله. ولمّا وَرَدَ دمشقَ ناظَرَ كبيرَ النُّحاة بها أبا اليُمْن زيدَ بن الحَسَن الكِنْديَّ، فحَكَم الحاضِرونَ بأنّ أبا بكر أعرَفُ منه بـ "الكتاب"، وبأنّ أبا اليُمْنِ أنبَهُ نَفْسًا.
وحَجَّ، وأقسَمَ أن ينتهيَ في رحلتِه تلك إلى البصرةِ حتّى يُقرئَ "كتابَ سِيبوَيْه" في البلدِ الَّذي أُلِّف فيه متحرِّيًا الموضعَ من الجامع الَّذي يؤخَذُ فيه عن سِيبوَيْه، فأعانَه اللهُ على بِرِّ قسَمِه، وأقرَأَهُ هنالك فيما قيل، واللهُ أعلم.
ثُم قَفَلَ إلى المغرِب، فاختُلِطَ في طريقِه، واستقَرَّ ببِجَايةَ يَثُوبُ إليه عقلُه أحيانًا فيتكلَّمُ في مسائلَ عويصة من النَّحو مُشكِلة مُجِيبًا سائلَه عنها فيُوضِحُها أحسَنَ إيضاح، ثم يَغلِبُ عليه فيَتْلَف، وبقِيَ على تلك الحال مُدّةً ببِجَاية، ثُم زاد عليه خَدَر، نَفَعَهُ الله، وتوفِّي بها، رحمه اللهُ، سنةَ ثمانينَ، وقيل: سنةَ ثلاثٍ وثمانينَ وخمس مئة، والأوّلُ أصَحّ. وقال أبو جعفر بنُ الزُّبَير: أحسِبُ وفاتَه كانت في صَدْر عَشْرِ الثمانينَ وخمس مئة، فلم يَضبِطْ وفاتَه؛ ولذلك ذكَرَه في تلك الطّبقة، فاعلَمْه.
١٢٣٦ - محمدُ بن أحمدَ بن عبد الله بن أحمدَ الأنصاريُّ، إشبِيليٌّ نزَلَ رِبَاطَ تازَى، أبو بكرٍ الخَفّاف.
تَلا بالسَّبع على أبي محمد فُضَيْل بن محمد، وتأدَّب به في العربيّة ولازَمَه نحوَ تسع سِنين، وحدَّث عن أبي إسحاقَ بن قَسُّوم، وأبي الحَسَن الدَّبّاج، وأبي عبد الله بن أبي بكرٍ الفَخّار وأبي عليّ ابن الشَّلَوْبِين.
وكان مُقرِئًا متحقِّقًا بالعربيّة وعِلم الكلام، أخَذَ عنه جماعةٌ من أهل تازَى وغيرهم، ولهُ شَرْحٌ على "إرشادِ" أبي المَعالي سَمّاه: "اقتطافَ الأزهار واستخراجَ