للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكنتُ أتخوَّفُ من ذلك تخوُّفًا كثيرًا وأقولُ: نزولُ الساطورِ على قدمَيَّ أسرعُ من أن أضُمَّهما إليّ، فانتبهْتُ وإذا قدمايَ على كتابِ التِّرمذيِّ، فرفَعْتُ رجلَيَّ عنهُ، وعلِمتُ أنّ ذلك إنّما كان من أجلِ أنَّ قدميَّ كانتا على الكتاب.

وامتُحِنَ من قِبَل المنصُور معَ مثيلِه في المعارِفِ والفَضْل أبي الحُسَين بن زَرْقونٍ المِحنةَ المشهورةَ، على ما سأذكُرُه في رَسْم ابن زَرْقون إن شاء اللهُ تعالى؛ ولمّا خَلَصَ من تلك النَّكبة أكثَرَ لزومَ دارِه، وانقبَضَ عن مُداخلةِ كثيرٍ من الناس، وكانت له غُرفةٌ مُشرِفةٌ على الدَّرْب الذي كانت به دارُه، فكان كثيرَ الجلوسِ بها. ثُم إنَّ المنصُورَ تذكَّرَه وأراد استدعاءهُ وتأنيسَه، فأمَرَ بالبَعْثِ عنه، فتَوجَّه إليه الشُّرطِيُّونَ، ولمّا دخَلوا على دَرْبِه ورَآهم من غُرفتهِ تلك أوْجَسَ في نَفْسِه خِيفةً منهم، ووقَعَ في خاطِرِه أنّهم إنما جاءوا إليه لشرٍّ يُرادُ به، فنَخبَ فؤادُه لذلك واستُطيرَ قلبُه ذُعرًا، وتمكنَّ ذلك منه حتّى كاد عقلُه يُختلَط، وأصابه خَدَرٌ واعتَلَّ، واختَلَّت حالُه جُملةً، ولمّا أُعلِم بما جاء إليه الشُّرطِيُّونَ لم يجِدْ من نَفْسِه ولم يوجَدْ فيه ما يَفي بالمقصُود منه، ولمّا أُعلِمَ المنصُورُ بحالِه تلك شَقَّ عليهِ ولم يتَأتَّ له حِيلةٌ في دَفْع ما أثَّر فيه الخوفُ والذُّعر، وأصابته لذلك زَمانةٌ لم ينتَفِعْ معَها بنفْسِه، ولا انتفِعَ به، وتمادَى حالُه على ذلك إلى أن توفِّي بعدَ عصرِ يوم السّبت لثلاثَ عشْرةَ خَلَت من رجَبِ ستِّ وتسعينَ وخمس مئة، ودُفنَ بعدَ العصر من يوم الأحد تالي يوم وفاتِه، رحمةُ الله عليه، واحتَفلَ الناسُ لجَنازتِه وأسِفوا لفَقْدِه وأثنَوْا عليه، وكان أهلًا لذلك، رحمه الله.

١١٩٥ - محمدُ (١) بن عليّ بن خَلَف المُحارِبيُّ، غَرْناطيٌّ، أبو عبد الله.

رَوى عن أبي بكرٍ ابن العَرَبيّ، وأبي الحَسَن يونُسَ بن محمد بن مُغيث، وكان من أهل العنايةِ بالرِّواية.

١١٩٦ - محمدُ بن عليّ بن خَلَف المُراديُّ.

رَوى عن أبي الطيِّب سَعِيدِ بن فَتْح.


(١) ترجمه ابن الأبار في التكملة (١٣٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>