أبو عبد الله ابنُ أضحَى أيامَ قضائه بجَيّانَ، ثم أبو عبد الله بنُ زياد بن عبد الله بن زياد صاحبُ الأحباسِ بقُرطُبةَ، وكان معروفَ الأمانة، واستُقضيَ في بعضِ الكُوَر، ووَلِيَ الإمامةَ بجامع قُرطُبةَ بأخَرَةٍ، ولَزمَها إلى أن توفِّي.
قال رحمَه الله: كنتُ قد عَزْمتُ على قراءةِ الطِّبّ بإشبيلِيَةَ لأتّخِذَهُ حِرْفةً، فانتَسَخْتُ من كُتُبِ جالينُوسَ، والتزَمْتُ القراءةَ على ابن بَرَّجانَ أخي الزاهد أبي الحَكَم، وكان له دِينٌ ومعرفةٌ بالحديث وتقدُّمٌ في الطِّب، فكنتُ أنسَخُ باللّيل وأدرُسُ بالنهار، وبقِيتُ على ذلك مُدّةً، فلمّا كان في بعضِ اللّيالي رأيتُ في النوم المُقرئَ أبا الحَسَن العَبْسيَّ، رحمه اللهُ، كأنه جالسٌ في موضعِه بالمسجدِ الجامع بقُرطُبة، فكنْتُ أطّلعُ إليه من الجانبِ الأيمن لأُسلِّمَ عليه، فكان يُعرِضُ عنّي بوجهِه، فجئتُه من الجانب الأيسر فأعرَضَ عنّي بوجهِه، فجئتُه من أمامِه فكان يُدخِلُ رأسَه تحتَه، فكنتُ أقولُ له: ما ذنبي وما الذي جَنيتُ؟ فكان يُخرجُ إليَّ رأسَه ويقول: محمدُ! محمد! تركتَ قراءةَ القرآنِ والحديث ورجَعْتَ إلى قراءةِ الطِّبّ؟! فكنتُ أقولُ له: لا أعودُ؛ واستيقَظْتُ فَزِعًا، فذَكَرْتُ ذلك لأبي رحمه اللهُ، فاشتَرى لي رُزْمةَ كاغِد، واشتَغَلْتُ بكتابةِ الحديث، وكنتُ أحضُرُ عندَ الهَوْزنيِّ، ومَضَتْ لي على ذلك مُدّةٌ، فرأيتُه بعدَ ذلك في النَّوم متبسِّمًا متبشِّرًا، فكان يقول لي: أحسَنْتَ فيما فعَلْتَ، بارَكَ اللهُ فيك، أو كما قال.
وتوفِّي في صَدْرِ رجبِ ستٍّ وأربعينَ وخمس مئة.
١٢٦٦ - محمدُ بن عليِّ بن محمد بن عَيْشُون، مُرْسِيٌّ بَكِّيُّ الأصل، أبو عَمْرو.
رَوى عن عمِّه أبي عَمْرٍو محمد، وأبي الخَطّاب بن واجِب، وأبي الرّبيع بن سالم، وأبَويْ عبدِ الله: ابن أحمدَ ابن اليتيم وابن سَعِيدٍ المُراديِّ وتلا عليه بالسَّبع، وأبي محمد بن حَوْطِ الله، لقِيَهم وسَمِع عليهم. وأجاز له مُكاتبةً أبو بكر بنُ حَسْنُون، وأبو جعفر بنُ شَرَاحِيل. وكان مُقرِئًا مجوِّدًا راوِيةً، ذا حظٍّ من علوم اللِّسان.