للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رواياتٌ تخالفُ أحيانًا ما عند ابن عبد الملك، ولعلّ ابنَ أبي زرع كان يرجِعُ إلى "الذّيل والتكملة" في تسجيل وَفَيات الأعلام.

أمّا مؤلّفُ "الذّخيرة السَّنية" فقد ضمَّنها بعضَ التراجم الموجودة في "الذّيل والتكملة"، ويبدو من المعارضة أنّ المؤلفَ المذكورَ نقَلَ عن ابن عبد الملك.

وبالجملة، فقد كان ابنُ عبد الملك إمامَ المؤرِّخين بالمغرب في زمنه، ويُمكنُ القولُ على العموم بأنّ "الفَذْلَكاتِ" التاريخيّةَ التي اشتمل عليها كتابُه "الذّيل والتكملة" تُعَدّ أوثقَ ما يُعتمَد عليه في تاريخ الموحِّدين وأصحَّ نصوص هذا التاريخ، وذلك لِما عُرف به محرِّرُها من اطّلاع واسع وإكباب طويل على المدوَّنات التاريخية والوثائق الرسميّة، ولما يلتزمُ به من منهجيّة صارمة وموضوعيةٍ عادلة ومجُانبةٍ لأساليبِ المؤرِّخين الرسميِّين المعهودة وطرائقِهم المعروفة، وكلُّ ذلك تشهَدُ به النّصوصُ المبثوثة في ثنايا تراجم "الذّيل والتكملة".

وقد انفردَ ابنُ عبد الملك بذكر أشياءَ من تاريخ الموحِّدين لا توجَدُ عند غيره.

فمن ذلك: ما يُمكنُ أن نُطلقَ عليه "حساسيّةَ الأسماء" في عهد الموحِّدين، فقد كان اسم "عبد المؤمن" مثلًا مقصورًا عليهم، وعُرف أحمدُ بن عبد المؤمن الشَّريشيُّ شارحُ المقامات في بلده بابن مؤمن بدلًا من ابن عبد المؤمن، وذلك كما يقول ابنُ عبد الملك: "لمكان التّقية من غَيْرةِ آل عبد المؤمن من مشاركتهم في الشّهرة بالانتساب إلى جدهم، فكثيرًا ما كانوا يفعلون ذلك، ويُغيِّرون الأسماءَ والكُنَى والأنسابَ والشُّهَر على الجملة بسببه" (١). وهذه حساسيّةٌ غريبة جدًّا، فالمعروفُ على العموم وفي كلِّ زمان ومكان أَنّ الناس -خاصّتَهم وعامّتَهم على السواء- يُسَمُّوْن بأسماءِ ملوكهم وعظمائهم وزعمابهم وعلمائهم وصُلَحائهم، ولعلّ مصدرَ هذه الحساسيّةِ الغريبة لديهم تخوُّفُهم من استغلال الاسم


(١) الذيل والتكملة ١/الترجمة ٣٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>