للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحبي وذَكَّاها وأخرَجَ زِنادًا كانت عندَه وقَدَحَ نارًا، وجَمَعَ شيئًا من الحطَب وأوقَدَ النَّارَ وشَوى تلك الحَجَلة، وقَرَّبها إليّ فأكلتُها وقَوِيَتْ نفْسي وقُمتُ ومشَيْتُ حتى لحِقتُ بالعسكر؛ قال ابنُ الصَّقْر: وهذه من الكراماتِ التي تُنسَبُ إلى الفُضَلاء ويُتحدَّثُ بها عن الأبرار، ولم يكنْ رحمه اللهُ بمُقصِّرٍ عنهم.

ولمّا ثار أبو الحَسَن بنُ أضحَى (١) وأهلُ غَرْناطةَ على مَن كان بهامش لَمْتُونةَ واعتَصَمَ لَمْتُونةُ بقَصَبتِها، وعجَزَ أهلُ غَرْناطةَ عن التغلّب عليهم فيها، اقتَضَى رأيهم إسنادَ أمرِهم إلى رئيسٍ كبير يُوَلُّونَه على أنفُسِهم، فمال ابنُ أضحَى وصنَّف الفُقهاءَ وجماعةً معَهم إلى القاضي أبي [جعفر] (٢) ابن حَمْدِين الثائرِ بقُرطُبة، ومال أهلُ الثَّغر وعامّةُ البلد إلى أبي جعفر بن هُود الملقَّب بالمُستنصِر لشُهرةِ اسمِه وبُعْدِ صِيتِه في الرِّياسة واستيلائه على بِطْرَوْجَ وجَيّانَ وغيرِهما، وطَمَعِهم في مقاومتِه مَن بالقَصَبة من لَمْتُونة، فساعَدَهم ابنُ أضحَى ومَن معَه على ذلك، واتّفَقوا جميعاً على استدعاءِ ابن هُود، وأن يكونَ الرسُولُ في ذلك إليه الفقيهَيْن: الخطيبَ أبا الحَسَن هذا والمُشاوَرَ أبا جعفر بنَ طلحةَ بن عَطِيّة، فحَمَلوا عليهما في ذلك فتوَجَّها فيه لِما رَأَياهُ مصلحةً للمسلمين. ولمّا لقِيَا المُستنصِر وألقَيا إليه ما جاءا به عن أهل بلدِهما جمَعَ عسكرًا من أَوْباش النَّصارى وسُقّاطِ الجُند، ونَهَدَ قاصدًا إلى غَرْناطةَ ومَعه الفقيهانِ المذكوران، واتّصَلَ ذلك بلَمْتُونةَ، فشَقَّ عليهم، وعَلِموا بُعْدَ صيتِ ابن هُود وأنه إن تمَّ له دخولُه إلى غَرْناطةَ مُغالِبًا لهم كان في ذلك بوارُهم، وتحقَّقوا أيضاً فُسُولةَ جُندِه وأنّهم لا دفاعَ لديهم ولا حَمِيّةَ عندَهم -أجمَعَ رأيُهم على مُصادمتِه، فبَرَزوا له على نحوٍ ثلاثة أميال من غَرْناطة مُستمِيتينَ، وألقَوْا عليه أنفُسَهم وصادقُوهُ القتالَ، فانهزَمَ أصحابُه وقُتل منهم جمعٌ عظيم، وكان ممّن استُشهِدَ هنالك الخطيبُ


(١) هو علي بن عمر بن أضحى الهَمْداني.
(٢) بياض في النسخ، وهو أبو جعفر بن حمدين، انظر خبر ثورته في أعمال الأعلام: ٢٥٢، وما بعدها وراجع في ثورة ابن ضحى كتاب الحلة السيراء ٢/ ٢١١ فما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>