للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للقراءةِ عليه والسَّماع منه، فيَحمِلُ ذلك منهم طَلْقَ الوَجْه مُنشرحَ الصَّدر جميلَ الصَّبر، وينتابونَه ليلًا ونهارًا فلا يَسأَم من ذلك ولا يَضجَرُ على كُبرتِه حسبَما كان عليه أمرُه معَهم قبلَها، وأقرَأَ ببَلَنْسِيَةَ وأسمَعَ أزيَدَ من ستينَ سنة، وكان أثبتَ الناس في "أبي داود"، وإليه صارت أُصولُه العتيقةُ الكثيرةُ في فنونِ العلم بخطِّه، وانفرَدَ بالرِّواية عنهُ بلِقاهُ والسَّماع منه أزيَدَ من عشرينَ سنة.

قال أبو الحَسَن محمدُ بن سَلمون: كان يتَصدَّقُ على الأرامل واليَتامى بمالِه من دقيقٍ وأدم وغيرِ ذلك، فتقولُ له زَوجُه: إنك لتَسعَى بهذا العمل في فقرِ أبنائك، فيقولُ لها: لا والله بل أنا شيخٌ طَمّاعٌ أسعَى في غِناهم. وكنّا نقرَأُ عليه في مرَضِه الذي توفِّي منه، فكان لا يُسمَعُ منه كلامٌ في أيام الثلاثاءِ والأربعاءِ والخميس إلّا أن يُناديَ اللهَ سائلًا منه قَبْضَه يومَ الجمُعة، فإذا جاوَزَه رُؤيَ يومَ السبتِ أسِفًا سَيّئَ الحال نكِدَ البال، فيستمرُّ أمرُه كذلك إلى انقضاءِ يوم الاثنين، فإذا كان يومُ الثلاثاءِ ظهَرَ عليه سرورٌ وابتهاجٌ لطَمَعِه في الموتِ يومَ الجمُعة، وتكرَّر ذلك منه حتى عُرِفَ له ومَنّ اللهُ عليه بمطلوبِه (١) فقُبِضَ يومَ الخميس ودُفنَ يومَ الجمُعة كما كان يَسألُ ويدعو، رحمه الله.

وُلدَ سنةَ إحدى وسبعينَ وأربع مئة، قاله أبو عبد الله الأَنْدَرْشيُّ عنه، وقال أبو الخَطّاب بنُ واجِب عنه: إنّ مولدَه عامَ سبعينَ أو بعدَه بعام (٢)، لم يتحقَّقْ [١١٢ ظ] ذلك، وتوفِّي بعد صَلاة ظُهر يوم الخميس لثلاثَ عشْرةَ ليلةً بقِيَتْ من رجَبِ أربع وستينَ وخمس مئة، وصَلّى عليه أبو الحَسَن ابنُ النِّعمة، وحضَرَ جَنازتَه جَمْعٌ عظيمٌ من الناس، وشَهِدها سُلطانُ بَلَنْسِيَةَ يومَئذٍ أبو الحَجّاج بنُ سَعْد، وتزاحَمَ الناسُ على نَعْشِه متبرِّكينَ به باكِينَ فَقْدَه، وأتْبَعوهُ ثناءً حسَنًا وذِكْرًا جميلًا، ورَثاه أبو محمد بنُ واجِب بقصيدة حسَنة منها [البسيط]:


(١) "بمطلوبه": سقطت من م ط.
(٢) "بعام": سقطت من م ط.

<<  <  ج: ص:  >  >>