للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي عَيَّنَه مالكُه، فقال: يا لَلعجَب! أتُحوِجُونُه إلى دَفْع ثمنِه من تِلقاءِ نفسِه وصُلبِ مالِه؟ هلّا دفَعتُم ثمنَه من أموالِكم وتقرَّبتُم بذلك إلى مَرْضاةِ أبي الحَسَن وتَقَمُّن مسَرّتِه، فذلك الذي يَسُرُّنا ويُرضينا؟ فانفَصلوا عن المجلِس وابتاعوا ذلك المالَ من ربِّه بما أرضاهُ وحازه أبو الحَسَن وحَسَّنَ به ما كان قد قَصَدَ إلى تحسينِه من ذلك البناء. وإنّما أراد الناصرُ بهذا كلِّه تبيينَ مكانتِه عندَه والإشادةَ بتمكُّن حُظوتِه لديه، وإلّا فقد كان يكِلُه إلى شرائه لنفسِه أو يأمُرُ له بثمنِه من مالِه؛ وتحصَّلَ له بالِهبة من بني المنصُور وحاشيتِه ووُزرائه وعُمّالِه من الأموال والكُتُب النَّفيسة والذّخائرِ ما لا يُحصَى كثرةً، فإنهُ كان شديدَ الكدية كثيرَ إعمالِ الحِيَل في ذلك، مُصانعًا، لتمكُّنِه من جانبِ أُولي الأمر واختصاصِه بهم. وكان من عادتِه أنه متى بَلَغَه أنّ أحدًا صارت إليه فائدةٌ من جانب السُّلطان أو وَلِيَ ولايةً أو استُعمِلَ في خُطّه قَصَدَ إليه أو بَعَثَ رسُولًا نحوَه يلتمسُ منه إسَهامَه في عِمالتِه أو منافعِها، فلا يَسَعُه إلّا إسعافُه بذلك.

وحَكَى الشّيخُ أبو الحَسَن بن قُطْرال (١)، قال: كانت كُبرى ديارِ أبي الحَسَن الفَهميِّ القريبةِ من حَمّامِه قبلَ تملُّكِه إيّاها لبعض ذوي قَرابةِ أبي الفَضْل ابن مَحْشَرةَ (٢) الكاتب، وإنه كان قاعدًا يومًا عند بابِها، فاجتازَ به أبو الحَسَن الفَهْميُّ وتكفَّفَه فلم يُجْرِ اللهُ له على يدِه شيئًا، وانصَرفَ من عندِه خائبًا؛ ثم دارتَ الأحوالُ وتَرِبَ رَبُّ [١٣٢ و] تلك الدار واضْطُرَّ إلى بيعِها، فتداوَلَها المُلّاكُ إلى أنْ صارت إلى أبي الحَسَن الفَهْمي؛ وبينَا هو قاعدٌ يومًا بمَدخلِها وبعضُ العَطّارينَ يزِنُ هنالك فُلفُلًا كان قد ابتاعَه أبو الحَسَن منه أو باعَهُ له، فعَرَضَ له ذلك الذي كان رَبَّ الدار بالسؤال، فعَرَفَ أبو الحَسَن صوتَه، فقال: لعلّك فلان! فقال: نعم، فتناوَلَ بيدِه المِلَتَّ الذي يستعملُه العَطّارونَ


(١) في م: "قرطال".
(٢) وقع في بعض النسخ: "محشوة"، والصواب ما أثبتنا، وتنظر ترجمته في عنوان الدراية ٣٠، والبيان المغرب (قسم الموحدين) ١٦٣، والشهب اللامعة ٢١٣ - ٢١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>