الإشبيليّ الذي كان يقال فيه: بُخاري زمانِه وابنُ مَعِين وقتِه، "وألّف في السُّنن كتابَه الكبير المسمى بـ"المنتخَب المنتقَى" جمَعَ فيه مفترِقَ الصّحيح من الحديث الواقع في المصنَّفاتِ والمسنَدات، وطريقَه هذا حذا أبو محمدًا عبد الحقّ بن عبد الرّحمن ابن الخَرّاط في كتابه "الأحكام"، إذ كان ملازمًا له ومستفيدًا منه". وكتاب "الأحكام" هذا منه نُسَخٌ كبرى وصُغرى ووُسطى، ولعبد الحقّ كُتُبٌ أخرى، "والذي كثُر تداولُه بين أيدي الناس من كُتُبه هو الأحكامان: الكبرى والصغرى" حسَبَ عبارة الغُبْريني (١)، وتوجدُ بعضُ النُّسخ المخطوطة من "الأحكام الصغرى" و"الأحكام الكبرى"، وهذه الأخيرةُ هي المقصودة هنا. وقد أثنى علماءُ الحديث على هذا الكتاب واهتمّوا به كثيرًا، وكان محلَّ إضافاتٍ وتعقيبات من بعضِهم، ذَكَرَ ابنُ عبد الملك في ترجمة أبي عبد الله محمد ابن الصَّيْقَل أنه "استدرك على الأحكام الكبرى لعبد الحقّ أحاديثَ كثيرةً في أكثر الكُتُب رأى أنّ أبا محمد أغفَلَها وأنّها أوْلى بالذّكر ممّا أورَدَه أبو محمد في الأحكام، ودَلّ ذلك على حُسن نظرِه وجَوْدة اختياره"، كما أنّ ابن حمّاد والصنهاجيَّ ألّف كتابًا في الإشادة بكتاب شيخه أسماه:"الإعلام بفوائد الأحكام"، وقد عُني بشرح ما فيه من غريب الحديث؛ ولا بدّ أنّ ابنَ عبد الملك استفاد من هذَيْن العمَليْنِ، كما استفاد من الكتاب الذي نَذكُرُه فيما يلي:
٢ - بيانُ الوَهْم والإيهام الواقعَيْنِ في كتاب الأحكام لابن القَطّان: وهو تعقيبٌ وتذييلٌ على الكتاب السابق، وذَكَر ابنُ عبد الملك أنه يقعُ "في مقدار الأحكام الشرعيّة الكبير وعليه وَضَعَه"، ومن العبارة الأخيرة نتأكّد أنّ "الأحكام الكبرى" هي التي كانت محوَرَ الذّيول المتلاحِقة، ويوجد خلافُ هذا في عنوان الدِّراية للغُبْرينيّ الذي يقول:"وقد كتَبَ أبو عبد الله ابنُ القَطّان مِزْوارُ الطلبةِ بالمغرب على "الأحكام الصغرى" نكتًا واستلحاقًا، وكتَبَ غيرُه عليها ردًّا