للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أديبًا كاتبًا شاعرًا، مُكثِرًا من الفنَّيْنِ على شدّة تكلُّفٍ منهُ لهما، فلذلك كان لا يوجَدُ على ما يَصدُرُ عنه نظمًا أو نثرًا رَوْنَقُ الانطباع ولا رِقّةُ الطِّباع (١)، وكان أحدَ من دارَ عليه تدبيرُ بلدِه بأخَرةٍ حتّى استَولَى عليها الرُّومُ، وقد جَمَعَ لهُ بعضُ خَواصِّه ترسيلَه في أربعةِ مجلَّدات ضخمة، فلما وقَفَ عليها كتَبَ بخطِّه على ظهرِ أوّلِها لنفسِه [السريع]:

إنّي تأمّلتُ فلم أستجِدْ ... أكثرَ ما فيه ولم أرْضَهُ

ورُمتُ بالإحسانِ فَوْزًا فلا ... سماءَهُ نِلتُ ولا أَرْضَهُ

وكان حَسَنَ الخَطّ أنيقَ الطريقة في الوِراقة متقَنَ التقييد، رَتَّب على نفسِه وظيفةً من النَّسخ في كلِّ يوم لم يكنْ يَترُكُها على حال إلّا أن يَعُوقَه عن الوفاءِ بها عائقُ مَرَض أو سَفَر سوى ما يُعلِّقُه من الفوائد ويَقيِّدُه من الغرائب المُنتقاة سائرَ أيامِه، فقد كان كثيرَ الولوع بذلك شديدَ الرَّغبةِ في الاستكثارِ منه، حتّى إنه لَيُقالُ: إنه أخرَجَ معَه بخروجِه من إشبيلِيَةَ نحوَ خمسِ مئة مجلَّد بخطِّه، وقد وقَفْتُ على نحوِ ستّينَ منها أو أزيَدَ.

وقد كَتَبَ عن وُلاة إشبيلِيَةَ من بني عبد المُؤمن واختَصَّ كثيرًا منهم بأبي عِمرانَ بن أبي عبد الله بن يوسُفَ بن عبد المُؤمن، وكان بينَه وبينَ أبي المُطَرِّف بن عَمِيرةَ وأبي عبد الله ابن الجَنّان وغيرهم من أُدباءِ عصرِه مُكاتَباتٌ [....] (٢).

توفِّي بسَبْتةَ بعدَ صَلاة العصرِ يومَ الجُمُعة لستٍّ خَلَوْنَ من شوّالِ ستٍّ وأربعينَ وست مئة ابنَ نحوِ خمسةٍ وستينَ عامًا.


(١) قال ابن سعيد: "وعُرف بالكتابة والإمامة في طريقتهما، ولو فتشتْ رسائله لم توجد له نادرة ولا فصل مستطرف، وما كان إلا ناسخ رسائل الناس. وقال: وكنت قد كتبت من نظمه ونثره كثيرًا ثم تفقدته بعين الانتقاد فنبذت الجميع".
(٢) بياض في النسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>