وكان كبيرَ المُقرئينَ بإشبيلِيَةَ المتقدِّمَ عليهم في إتقانِ التجويد والتبريزِ في حُسْن الأداء، معَ حظٍّ صالح من النَّحوِ والأدبِ واللّغة وقَرْض الشِّعر، والدِّين المَتِين والفَضْل التامّ، وحُسْن الهيئة والانقباضِ عن أهل الدُّنيا والإقبال على ما يَعْنيه.
قال أبو محمد طلحةُ: أثنَى أبي يومًا على أبي عَمْرو ابن عَظِيمة، قلت: فلمَ لم تَقرأْ عليه وقرَأْتَ على ابنِ صَافٍ؟ فقال: ابنُ صافٍ كان أعلم.
وقال أبو القاسم بن فَرْقَد: عَهِدتُ أبا بكر بنَ صاف -وغالبُ أحوالِه الانقباضُ والوقارُ والجَرَيانُ على هَدْي القَرَأةِ، غَيورًا على مَن عندَه من أولاد الناس- إذا دَخَل إليه مَن يريدُ مُجالستَه أمهَلَه يسيرًا ثم أسكَتَ القارئ، وأقبَلَ عليه: ألكَ حاجةٌ؟ وإلّا انصرِفْ راشدًا؛ فإنَّ هؤلاءِ الأولادَ كالأبكار لا يَصلُحُ أن يُجالسَهم أحد، أو نحوَ هذا.
وقال أبو محمد بنُ حَوْطِ الله: قصَدْتُ زمانَ رحلتي في طلبِ العلم إلى الأخْذِ عن أبي بكر بن صَافٍ بصِيته ومكانِه من العلم، فعند مُثولي بباب المسجد، وسِنِّي سِنُّ من يَستبِدُّ بالرحلة، خَرَجَ إليّ وقال لي: ما لك؟ قلت: أريدُ القراءة، قال: لا؛ لأنّ عندي صِغارًا لا تَصلُحُ بهم مُجالستُك، أو كما قال.
وكان الناسُ يتنافسونَ في الأخْذِ عنه والقراءةِ عليه، حتّى كثُرَ القَرَأةُ عندَه، فكان لا يُقرئُ معَ القرآنِ شيئًا من النَّحو والآداب إلّا يومًا أو يومَيْنِ في الجُمُعة. وتمادَى على الإقراءِ نحوَ خمسينَ سنة.
ولهُ شَرْح على الأشعار الستة، وعلى "الفصيح" لثَعْلَب، وتأليف في ألِفاتِ الوَصْل والقطع، ومسائلُ في آيٍ من القرآن، وأجوِبةٌ لأهل طَنْجةَ عن سُؤالاتِهمُ: المُقرِئينَ والنَّحْويِّين من أهل إشبيلِيَةَ.
أنشَدتُ على الشّيخ القاضي أبي الوليد محمد بن إسماعيلَ بن عُفَيْر، رحمه الله، قال: أنشَدتُ على أبي، رحمه الله، قال: أنشَدتُ من حِفظي بين يدَيْه -يعني