للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وآباءُ محمد: ابن أحمدَ بن جُمهُور وابن حَوْطِ الله وابنُ القُرْطُبيّ، وأبو الوليد إسماعيلُ ابن الأديب، ومحمد بن أحمدَ ابن الحاجّ.

وكان محدِّثًا مُسنِدًا عاليَ الرِّواية ثقةً، فقيهًا مُشاوَرًا حافظًا، يعترفُ له أبو بكرٍ ابنُ الجَدّ بذلك، بَصيرًا بأحكامِ القضاء، ماهرًا في عَقْد الوثائق، وَقُورًا ذكيًّا رَصِينَ العقل، متينَ الدِّين، رَيّان من علم الأدب، كاتبًا مُجِيدًا، شاعرًا مُحسِنًا، حَسَنَ المشاركة في الطّب، كثيرَ البِشْر، وَطيءَ الأكناف، جميلَ الشّارةِ والهيئة، نبيهَ القَدْر، أحسَنَ الناس خُلُقًا وأحناهُم على طَلَبةِ العلم وأجمَلَهم توَدُّدًا لآلِه، أنفَقَ عُمُرَه في إسماع الحديث وتدريس المذهبِ المالكيِّ وتعليم الأدب، صَبُورًا على ذلك معَ الكَبْرة، يتَكلَّفُ ذلك وإن شَقَّ عليه.

واختَصَر "المنتقَى" للباجِيِّ أنبلَ اختصار، وجمَعَ بين "المنتقَى" و"استذكارِ" ابن عبد البَرّ، وتمَّمَ فيه ما رأى تتميمَه، واستدرَكَ ما اقتضَى نظره استدراكَه، ونبَّهَ [٧٦ أ] على مواضعَ يجبُ التنبيهُ عليها؛ فقال ابنُ الزبير: إنه جَمَعَ بينَ الصَّحيحَيْنِ، وإنّما جمَعَ بينَهما ابنُه أبو الحُسَين، وكان على كَبْرته وعلوِّ سنِّه ممتَّعًا بحواسِّه، ورام يومًا النهوضَ من مجلسِه فلم يستطعْ من الكِبَر، حتى اعتمَدَ على مُعين، فلمّا استوَى قائمًا أنشَدَ متمثِّلًا [مخلع البسيط]:

قد صرتُ عندَ الحِسَانِ زيفًا ... وغيَّرَ الحادثاتُ نَقْشي

وكنتُ أمشي ولستُ أعيَا ... فصِرتُ أعيَا ولستُ أمشي

قال شيخُنا أبو الحَسَن الرُّعَيْنيُّ: وكان كثيرًا ما يُنشدُ -يعني أبا الحُسَين ابنَ زَرْقُون-: أصبحتُ عند الحِسان ... البيتَيْنِ.

قال المصنِّفُ عَفَا الله عنه: هذانِ البيتانِ يُنسَبانِ إلى أبي محمد عبد الجَبّار ابن حَمْدِيسَ الصِّقِلِّي (١) المذكورِ بموضعِه من هذا الكتاب، ولم يقَعا إليَّ في نُسخة من ديوانِ شعرِه، واللهُ أعلم.


(١) ديوان ابن حمديس (٢٨٧) مع اختلاف في الرواية.

<<  <  ج: ص:  >  >>