بضَيْفي الذي باتَ عندي، فقال: ما ينبغي لطالبِ العلم أن يَبِيتَ عندَه أحد، ولا أن يَبِيتَ عندَ أحد، ولا ينزِلَ عليه ضَيْف، ولا يشتغلَ بأحدٍ من مَعارفه، ولا يَصرِفَه شيءٌ عمّا هو بسبيله، فشكرتُه ونَفَعني نُصحُه، وما وقَعْتُ بعدُ في مثلِها.
ولم يكنْ له في حياةِ أبيه كبيرُ اجتهاد، فلمّا توفِّي أبوه وخَلَفَه في حلَقتِه كان كأفضلِ مَن أطال الاجتهادَ في الطّلب لذكائه وتوقُّد خاطرِه، ثم استُقضيَ ببلدِه عند خَلْع اللَّمْتُونيِّين، ثم قُلِّد رياستَه إلى ما والاهُ وعُدَّ من عملِه، فتقَلَّدها كارهًا، وكان يقول: لستُ لها بأهلٍ ولا تَصلُحُ لي، أريدُ أن أُمسِكَ الناسَ بعضَهم عن بعض حتى يجيءَ من يكونُ للأمرِ أهلًا.
وكان أوّلُ ظهورِه أنّ أباه أبا محمدٍ لمّا أُلزم أداءَ وظيفٍ كان الناسُ يؤدُّونَه على ضِياعِهم ورِباعِهم أَنِفَ من ذلك وأبى من أدائه، حتّى عُطِّلت عليه أملاكُه ومُنع من غَلّتِها، فكان يَختِمُ كلَّ يوم مجلسَه بالدُّعاء على الوالي الذي عَطَّلها عليه، ويُقسِمُ ألاّ يؤدِّيَ درهمَ مَغْرَمٍ بباطل أبدًا، فتوجَّه ابنُه أبو جعفرٍ هذا إلى القاضي أبي الوليد ابن رُشْد بقُرطبةَ طالبًا منه مُخاطبةَ أميرِ المسلمينَ بمَرّاكُش في ذلك؛ لِما اشتُهِرَ من مكانة أبي الوليدِ عندَ وُلاة الأمرِ اللَّمْتُونيِّين، واحترامِهم جانبَه وإجلالِهم إيّاه وقَبولِ شفاعاتِه، والوقوفِ عندَ آرائه وإشاراتِه، فكتَبَ له بما رَغِبَ فيه، وقَصدَ إلى مَرّاكُشَ وأنهى كتابَ القاضي أبي الوليد إلى أمير المسلمينَ، فكتَبَ له منشورَ تنويهٍ وإكرام، وكتَبَ إلى الوالي حينَئذٍ بمُرْسِيَةَ أنْ يَرفَعَ الطلبَ عنه بما ذَكَرَ، ويُحاشيَه من إلزام شيءٍ من تلك الوظائف، ولا يَعرِضَ له إلا بأحفلِ المَبرَّة، فأقبَلَ به، ولم يكنْ ذلك عن رأي أبيه ولا تعرَّض له، وإنّما كان ذلك امتعاضًا من أبي جعفرٍ هذا.
ولم يزَلْ أمرُه في الجلالةِ والظّهور يتَمادَى حتى انتهَتْ إليه رياسةُ بلدِه وأحوازِه كما ذُكِر، واستَصْرَخَه أهلُ غَرناطةَ فتلكَّأَ ثُم أجابَهم وفَصَلَ عن مُرْسِيَةَ لإحدى عشْرةَ ليلةً بقِيت من صَفَرِ أربعينَ وخمس مئة، فأقام بلُوْرْقةَ أيامًا، ثم بَلَغَ واديَ آش، فبولغَ في إكرامِه، ثم انتهَى إلى غَرْناطةَ فبرَزَ له اللَّمتُونيُّون، هذا قولُ