للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النص من طول معاناته له وللنصوص التي تدور حوله أقدر على فَهْم هذا النص من أيِّ باحثٍ آخر وإن كان متخصصًا، فيُعلِّق على النص بما يُجَلِّيه وييسره، من نحو شرحٍ لمصطلح أو لفظٍ غريب، أو تعريفٍ بمبهمٍ مَغْمورٍ، أو كلام على الأحاديث وتخريجها، أو بيان الأوهام التي قد يقع فيها مؤلف النص المُحَقَّق، أو تخريج للتراجم ونحوها. وهذا كله بلا شك لا علاقة له بضبط النص وتحقيقه، ومن ثم يمكن للمحقق أن يهمل أي أمرٍ من هذه الأمور، أو يُعطي له مزيدَ عناية بحسب ما يَرَاهُ مُناسبًا لقارئ الكتاب، وطبيعة الكتاب نَفْسه، من غير أن يُعَدَّ ذلك من باب الإهمال أو التقصير.

ولكن صار الكثير من المُتعانين لهذا العلم في عَمْرنا يخلطُ بين "التحقيق" و"التَّعليق"، مما خلقَ بلبلةً كبيرةً في طرائقِ المُحققين واختلافًا بَيِّنًا في منهاجهم بسبب عدم اتضاحِ المَفْهُومينِ عند الكثرة منهم، وخَلْطهم بين التعليق الذي يهدفُ إلى ضَبْطَ النص وَتقْييده وبين التَّعليق الذي قد يفيد القارئ والباحثَ ويعينُه على مزيد استفادةٍ منه.

إن التعليق على النص ينبغي أن تراعى فيه طبيعة موضوع الكتاب ونوعية المستفيدين منه، ومن ثم فهو يختلفُ من كتاب إلى آخر. وتحقيق كتب التراجم قد لا يختلف في إطاره العام عن مناهج تحقيق المخطوطات في العلوم الأخرى، ولكنه بلا شك له بعض خصوصية تميزه عن غيره، ومنها تنظيم مادة النص، فالمؤلفون والنساخ لم يكونوا يعنون في الأغلب الأعم بتنظيم مادة النص، كما هو متعارف عليه في عصرنا من حيث بداية الفقرات ووضع النقط عند انتهاء المعاني، ووضع الفواصل التي تظهرها وتميزها والتي أصبحت من ضروريات الكتابة الحديثة في هذا العصر، بل يسردون الكلام سردًا ويوردونه متتاليًا، فيتعينَّ على محقق الكتاب عندئذ إعادة تنظيم المادة بما يفيد فهم النص فهمًا جيدًا ويوضح

<<  <  ج: ص:  >  >>