وأُنبِّهُ هنا على ما يُستشعَرُ منه نزوحُ هذا المذهب عن سَنَن المسلمين، فمِن ذلك: قولُهم بتحليل الخَمْر وتحليل إنكاح أكثرَ من أربع، وأنّ المكلَّفَ إذا بلَغَ درجةَ العلماءِ عندَهم سقَطتْ عنه التكاليفُ الشَّرعيّة، وكلُّ ذلك مما استفاضَ وعَلِمَه مَن شاهَدَهم وجالَسَهم.
قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: كان ابنُ الزبير قد بَعَثَ إليّ بـ"رَدْع الجاهل" وبالرَّجَز المذكورَيْن، فأمّا "رَدْعُ الجاهل" فأقلُّ شيءٍ فائدةً، وأبعَدُه عن النَّفع بعلِم، معَ أنّ بعضَ أصحابِنا نقَلَ لي عن بعضِ أصحابِ ابن أحلَى أنّهم يقولون: إنّ ابنَ الزُّبَير لم يفهَمْ عنهم شيئًا من مذهبِهم ولا يتلاقَى كلامُه معَهم فيه على علمِهم في وِرْدٍ ولا صَدَر، وأمّا الرَّجَزُ المُشارُ إليه فقد تقَدَّم التنبيهُ عليه في رَسْمٍ ابن الزُّبَير ورداءةِ نَظْمِه وخُلوِّه من المعنى، وأنه هُزْأةٌ للمُستهزِئين، ولقد كان في غِنًى عن التعرُّض لنَظْمِه وأوْلى الناس بسَتْرِ عارِه منه، واللهُ يُبقي علينا عقولَنا، ويُرشدُنا إلى ما يُرضيه عنّا بفضلِه وكرَمِه؛ ثم إنْ صحَّ من مذهبِهم ما نُسِبَ إليهم من هذه الطّوامِّ فالتعبيرُ عنه بقولِه:"يُستشعَرُ" و "نزوحُ" تقصيرٌ عمّا ينبغي من تبيين ضَلالِهم وانسلاخِهم عن المِلّة الإسلاميّة؛ لردِّهمُ الكتابَ والسُّنةَ وإجماعَ الأُمّة، فحقُّه أن يقولَ ما يقطَعُ بخروج أو ما معناه هذا، واللهُ أعلم.
قال ابنُ الزُّبَير: وأقْرأَ ابنُ أحلَى هذا المذهبَ، وشاعَ عنه بعضُ ذلك على شدّةِ اكتتامِهم أوّلًا وتسَتُّرِهم، فاستُدعيَ من مُرْسِيَةَ أوَّلَ أمرِه، وحُمِلَ إليها مثقَّفًا وسُجِن بها، ثم أُفْلِتَ، وبعدَ ذلك أمكنَتْه فُرصةٌ فانتهَزَها وتأمَّرَ ببلدِه، فأمكَنَه ما لم يُمكِنْه قبلَ ذلك، ورامَ حَمْلَ أهلِ بلدِه على مذهبِه بالإكراه، ثم رأى أنّ ذلك لا يتَأتَّى له ولا يتِمّ، فعَدَل إلى طريقةٍ أخرى من تقريبِ من أَخَذَ في القراءةِ معَه وأَوى إليه، وطَرْدِ مَن عَدَاهم، وأخْذِهم بضروبٍ من الأذاياتِ في الأموالِ والأبدان والتخويفِ الشّديد، وهذا فيمَن صَرَّح في المُنافَرةِ للمذهب، فلم يُمكنْ أحدًا من خواصِّ أهل بلدِه إلّا التظاهرُ بالاستجابةِ له؛ إبقاءً على نفوسِهم وأموالِهم، ودَفْعًا لأذايتِه، فمنهم المُجِدُّ والمُتظاهِر، وزاد ذلك المذهبُ معَ