المَناكح وقضاءَ النِّساءِ بمَرّاكُش غيرَ مرّة، وعُرِف في ذلك كلِّه بالعدلِ والنزاهة وشدّةِ الوطأةِ على أهل البِدَع وإخافتِهم وتطهيرِ مواضع نظَرِه منهم.
وكان رَيّانَ من الأب ب كاتبًا بليغًا دَمِثَ الخُلُق ليِّنَ الجانب، فقيهًا حافظًا، عاقدًا للشّروط متقدِّمًا في البَصَر بعِلَلِها، كتَبَ طويلًا عن قاضي الجماعة بمَرّاكُش أبي جعفر بن مَضَاءٍ ثم عن أبي القاسم ابن بَقِيّ أيامَ وَليَ قضاءَ الجماعة أيضًا، وأسَنَّ مُمتَّعًا بحواسِّه جُمَع، صحيحَ البدَن، أزهرَ اللون، سريعَ المشي على كَبْرتِه، شاهدتُ ذلك منه، يَكتُبُ باللّيل من الخطِّ الدّقيق وهو قد ناهزَ السبعينَ ما يكادُ يعجَزُ أكثرُ الفِتيانِ عن قراءتِه بالنهار إلّا بتعمُّل، ولقد حدَّثني الشيخُ أبو الحَسَن الرُّعَيْنيُّ رحمه اللهُ قال (١): كنتُ أقرأُ عليه روايتَه كتابَ "التقَصِّي" بدِهليزِ دارِ سُكْناه، وكان مُظلمًا، وكان جلوسُه في قَعْرِه، وكنتُ أتحرَّى الجلوسَ في أضوإِ موضعٍ منهُ، فربّما وقَعَتْ في حواشي نُسختي منه رواياتٌ مختلفة، فأريدُ تمييزَ ما يوافِقُ روايتَه من غيره، فلا أستطيعُ ذلك؛ لدقّةِ خطِّها وإظلام الموضِع الذي كنتُ أقعُدُ فيه على أنه أضوأُ من غيرِه كما ذكرتُه، فيتناولُ الكتابَ من يدي فيقرأُها دونَ توقُّفٍ ويَعرِّفُني ما يوافقُ روايتَه منها فأُعلِّمُ [عليه]. وكان حينَئذٍ ابنَ نحوِ [سبعينَ سنةً وأنا ابنَ] واحدٍ وأربعين. وكان له [في ذلك وشِبهِه، ما يَكثُرُ منه العجَبُ، [وعرَفْتُه من وَصفِ] شيخِنا أبي الحَسَن الرُّعَيْنيِّ [ذلك الدِّهليزَ]؛ لأنه دِهليزُ داري التي تقَدَّم ذكْرُ سُكنَى الشّيخ أبي الحَسَن ابن قُطْرال إيّاها.