للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستَولَى عليه، فكان مقبولَ القولِ عندَه مشفَّعًا فيما يُناطُ به من المآرِب، دخَلَ الأندَلُس صُحبتَه، وكان قدومُهما على إشبيلِيَةَ يومَ الاثنين لستٍّ بقِينَ من ربيعٍ الآخِر عامَ تسعةَ عشَرَ وست مئة حين وَليَها أبو محمد، وصنَّف "غُنيةَ الحُفّاظ، في الجَمْع بينَ الإصلاح والألفاظ" (١)، وجمَعَ باقتراح أبي محمدٍ عبد العزيز دَفْترًا فيما نَظَمَ في التهجُّد وقيام الليل أجاد فيه الاختيار، ومن نظمِه فيه، ونقَلتُه من خطِّه البارع [من الكامل]:

ذهبَ الظلامُ وأنت جِذعٌ راقدُ ... وأتى الصّباحُ وأنت صخرٌ جامدُ

وخَلَت على الإظلام منكَ مناسكٌ ... وخَلَت على الإصباح منك مساجدُ

وأولو التهجُّدِ ليلهمْ ما منهمُ ... لله إلّا راكعٌ أو ساجدُ

يدعُونَ ربَّهمُ بكلِّ وسيلةٍ ... خَلَصت لهمْ فيها لديهِ عقائدُ

وهَجَعْتَ يا مغرورُ ليلَكَ كلَّهُ ... وعليكَ من عينِ الإِلهِ شواهدُ

فكأنّما أيقَنْتَ أنك مُغفَلٌ ... في هذه الدّنيا الدّنِيّةِ خالدُ

فلكمْ تنامُ وفي البهائم نابِهٌ ... ليلًا يُسبِّحُ ربَّهُ ويُجاهدُ

ومن العجائبِ ذو الجهالةِ صالحٌ ... وأخو النُّهَى في كلِّ حالٍ فاسدُ

وإلى متى عمَّت فؤادَك غفلةٌ ... تَزهَى بغِرّتِها وعمُرُكَ بائدُ

فانْظُرْ لنفسِك قبلَ حينِ مماتِها ... إنّ المماتَ على البِرّية وافدُ

وتذكَّر السَّفَرَ البعيدَ وطولَهُ ... من غيرِ زاد والمجالُ فَدافدُ

واذكُرْ نُشورَكَ بعدَ موتِك فَجْأةً ... وصحائفَ الأعمالِ منك تُشاهَدُ

فعسى يَلُوحُ لك اليقينُ فربّما ... ذهَبَ الضّلالُ و ...............


(١) يعني: الجمع بين إصلاح المنطق لإبن السكيت والألفاظ الكتابية للهمذاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>