وزيرِه أنه إنْ وافَقَه على الوصُولِ مَعه استَصْحَبَه مُكرَّمًا مبرورًا، [وإن بَدَا] منه تأبٍّ أو تلكُّؤٌ ضَرَبَ عنُقَه في مجلسِه وجاء برأسِه، فتوجَّها إليه، ولمّا دخَلا عليه [أمّا] نحوَهُ، فلم يَعْبَأْ بهما ولا عَرَفَ من هما، وظنَّهما ممّن قَصدَ إليه لاقتباسِ العلم، ولمّا انتَهَيا إليه سَلَّما عليه فرَدَّ عليهما السلام، ومَرَّ في شأنِه غيرَ معرِّج عليهما، فمَكَثا هُنَيْأةً، فرأَيا من حالِه وهيئتِه ومعرفتِه وهيبتِه عندَ الحاضِرينَ ما أوقَعَ في نفوسِهما إجلالَه، ثم دَنَا له الوزيرُ وقال له: أجِبْ أميرَ المؤمنين، فإنّا رسولاهُ إليك، فسَبْحَلَ وحَسْبَلَ وحَوْقَلَ وقال: ما لي ولأميِر المؤمنين! وأخَذَ يُكرِّرُها، فتشاغَلَ عنه الوزيرُ بالتكلُّم معَ بعضِ مَن وَليَه من حاضِري طلبةِ المجلس، وأشار إلى رئيس الطلبةِ بأن يُلقيَ إليه ما يُهَوِّنُ عليه إجابةَ الدّعوة والعملَ على مَرْضاةِ أميرِ المؤمنين، ويُعرِّضَ له بما تَجُرُّ الإبايةُ عن ذلك ممّا يُحذَرُ عليه، فلم يزَلْ يتَلطَّفُ به حتّى أجابَ إلى ما دُعيَ إليه على كُرهٍ منه، وتوجَّهَ معَهما، وأخَذَ أبو القاسم يؤنِسُه ويُلقي إليه صورةَ لقائه المنصُورَ كيف تكون، ويؤكِّدُ عليه في مُوافقةِ أغراضِه جمع، حتى انتَهَيا به إلى مجلسِ المنصُور، فدَخَلَ عليه متلفِّفًا في عباءةٍ مؤتزِرًا بقطعةِ ثوب صُوف، فعَجِبَ من هيئتِه، واختَبَره بكلِّ وجهٍ واستَنْطَقَه، فألْفاهُ أحدَ رجالِ الكمالِ فصاحةً ودينًا وفضلًا وعلمًا، فقرِّبَه وأدناهُ ولاطَفَه في المُكالمة حتى آنَسَه، وأمَرَه بنَزْع ما عليه من الثّيابِ ولُبْسِ كُسوةٍ كاملة قد أُعدَّت له، فامتَثلَ للأمرِ عملًا على إشارةِ أبي القاسم، ثم صَرَفَه مُكرَّمًا منوَّهًا به، وأصْحَبَ النقيبَ أبا القاسم ابنَ المالَقيِّ مؤنِسًا إياه، فلمّا انتَهَيا إلى باب السّادة، أحدِ أبوابِ القَصْر المُفْضِيةِ إلى ظاهرِه وخارجَ مَرّاكُش، قُدِّمت إليه بَغلةٌ فارهةٌ قد عُيِّنت. لركوبِه، فأشار عليه أبو القاسم بركوبِها، وتوَجَّه معَه نحوَ مَرّاكُشَ حتّى دخَلا على بابِ القصر، وهو الجاري عليه اسمُ بابِ الرَّبّ، وأبو موسى لا يَعرِفُ أين يُتوجَّهُ به، حتّى أفْضَيا إلى دارٍ بمحَلّةِ هرغةَ، فدخَلا إليها، فوجَداها [مُشتمِلةً على جميع ما] يَحتاجُ إليه طالبُ العلم المتمدِّنُ من كُتُبِ العلم منوّعة [الفنون وعَبيدٍ وإماء] وبُسُطٍ وفُرُش ومُعلَّقاتٍ ومَواعينَ وأثاثٍ وخرثيّ وأطعمةٍ على اختلافِها وتوابلَ ووقودٍ وفَخّارٍ وغيرِ ذلك، ولمّا