أبو بكر الجَزِيريُّ، وأخبَرنا، قال: أتيْتُ القاضيَ أَبا محمد عبدَ الوهّاب في المسجد الجامع بمِصرَ، فقلتُ له: يَا سيّدَنا الإِمام، أَنْتَ القائلُ؟ وذَكَرَ الأبياتَ إلى آخِرِها، فقال رضيَ اللهُ عنه: يَا أَبا بكر، دع هذا، فإنهُ كان في أيام الصِّبا. قال ابنُ الأبّار: كذا سمِعتُ بلفظِ هذَيْنِ الشَّيخَيْنِ هذه الحكاية، وعلى ما في هذا الإسناد من رواية ابن العَرَبيّ عن ابن البَرّ كتبتُها عنهما، وهو غَلَطٌ لا شكَّ فيه؛ لأنه لم يلقَهُ ولا سَمِعَ منه، قال ابنُ الأبّار: وعندي أنّ أَبا بكر الجَزِيريَّ هو: محمدُ بن سابِق الصِّقِلِّي، نُسِب إلى جزيرة صَقِلّيةَ ويُكنَى أَبا بكر، ولا روايةَ له عن عبد الوهّاب، وهو مذكورٌ في "الصِّلة"(١)، فأخَّره وقَدَّم ابنَ البَرّ مَن لا يَعرِفُ زمانَهما ولا تَهدَّى إلى الفرقِ بينَهما, ولعلّ ذلك من قِبَل ابن الفَخّار وغفَلَ عنه ابنُ حَوْطِ الله. قال ابنُ الأبار: وقد وجدتُ بعضَ أصحابِنا يَروي الأبياتَ عن أبي جعفر بن عبد المجيد الحَجريِّ المالَقيّ، قال: أنشَدَني الحافظُ أبو عبد الله بنُ إبراهيمَ ابن الفَخّار قال: أنشَدَنا ابنُ العَرَبيّ قال: أنشَدَنا أبو بكرِ الجَزِيريُّ قال: أنشَدَني أبو بكر ابنُ البَرّ. وذكَرَ الأبياتَ ورواها كما أورَدَها ابنُ نُوح على الصواب.
قال المصنّفُ عَفَا اللهُ عنه: جعْلُ ابنِ الأبّارِ الوَهَمَ في قلبِ هذا الإسناد من قِبَل [ابن] الفَخّار لا وَجْهَ له عندي. فقد رواهُ عنه على الصّواب أبو جعفر بنُ عبد المجيد كما نابه أبو الحَسَن الرُّعَيْنيُّ، ووجَدَه ابنُ الأبار من رواية بعض أصحابِه عنه حسبَما ذَكَرَ ذلك كلَّه، وَيبعُدُ أَيضًا توارُدُ الخطيبِ أبي محمد بن بُرطُلة والفقيهِ أبي العبّاس بن معاويةَ على هذا الوَهَم فالحَمْلُ فيه عندي بمقتضَى هذا الإيراد على أبي محمد بن حَوْطِ الله، واللهُ أعلم.
قال المصنفُ عَفَا اللهُ عنه: هذا الذي حَدَسْتُه أولًا على أبي محمد بن حَوْطِ الله قد وقَفْتُ عليه ثانيًا، فكذلك ثَبَتَ في مُسلسَلاتِه بخطِّه، [وقد وقَفَ على هذا] الخطِّ أبو محمدٍ ابنُ بُرطُلة كما وقَفْتُ عليه بخطِّه أَيضًا [....] والحمدُ لله، وما هي بأوّلِ