بَدَتْ له مَخايلُ الهَرَج الذي وقَعَ بعدُ بالعُدوة فاستَأْذَنه في العَوْد إلى الأندَلُس فأذِنَ له عن تغيُّر خاف أبو القاسم سوءَ مغَبّتِه، فأسرع اللَّحاقَ بالأندَلُس، ولمّا وَصَلَ مالَقةَ ألْفَى أهلَها وقد قاموا بدعوةِ العبّاسيِّينَ داخِلينَ في طاعة الأمير أبي عبد الله محمد بن يوسُف بن هُود المتلقّب بالمتوكِّل على الله أمير المسلمين (١)، فأحاطَتِ العامة بموضع نزوله ظنًّا منهم أنه إنّما وَصَلَ داعيًا لصاحبِه المأمون عن إذْنِه في ذلك ومخُيِّبًا أصنافَ الناس ببلاد الأندَلُس على ابن هُود، فاستَدعاه والي البلد واستَطْلَعَه أمرَه حتى تحقَّق براءتَه ممَّا اتُّهِم به، وهَمَّ بالكَتْبِ في شأنِه إلى المتوكِّل فأبَتِ العامّة إلا قتلَه، وتحرَّشوا للوالي حتى خاف منهم ثورةً عليه أو اختلالَ حال، فأخرَجَه إليهم وقتَلَه ضَحوةَ يوم الاثنين لستٍّ بقِين من ربيعٍ الآخِر من سنة سبع وعشرينَ وست مئة، رحمه اللهُ ونفَعَه.
ومن غرائبِ الاتّفاق ما ذكَرَه أبو القاسم بنُ عِمران ونقَلْتُه من خطِّه، قال: كنتُ بسَبْتةَ عامَ سبعةٍ وعشرينَ فرأيتُني عند الفقيه شيخِنا أبي العبّاس العَزَفي رحمه اللهُ في دُوَيْرة غير دارِه المعلومة له وقدِ اجتَمعَ حولَه حلقةٌ من طلبَة العلم، فبَيْنا نحن نتَذاكرُ قال قائل: أتى السَّيْلُ أتى السَّيل! ونال الحاضرينَ لذلك رَوْعٌ، ثم سمِعتُ من سألَ: من أين جاء؟ قيل: من أَزْمُور، وها هو أحمرُ مُنحدِرٌ إلى البحر، فقال لي شخصٌ كان يُقابُلني مِن أولئك الطلبة: أجزْ [مجزوء الرمل]:
* قد أتى الوادي بسَيْلٍ *
فقلتُ:
* أحمرٍ لِلُّجِّ قاصدْ *
فلم يُجِبْني، فقلت:
فهُما لابسُ دِرْع ... قَرْنُه في الماءِ راقدْ
(١) بعد هذا في م: "وقد خلعوا المأمون ونبذوا عهده ونزعوا عن دولة آل عبد المؤمن رأساً"، ثم طلب الناسخ حذفها بعلامتي "لا" "إلى"، فحذفناها، وهذه العبارة سابقة في ق.