للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَوى عنه أبو عبد الله بن يوسُفَ الطَّنْجاليُّ، وحدَّثنا عنه جماعةٌ من شيوخِنا، منهم: أبو جعفر بنُ عليّ الطّبّاع، وأبو الحَكَم مالكُ بن عبد الرحمن بن المُرحّل، وهو آخِرُهم، وأبَوا عبد الله: ابن عبد الله بن خَمِيس وابن يحيى بن أُبَيّ، وأبو عليّ الحُسَين بن عبد العزيز بن الناظِر.

وكان مُقرِئًا متقدِّمًا في التجويد، مبرِّزًا في العربيّة، حسَنَ المشاركة في غير ذلك، راوِيةً للحديث، عَدْلًا ثقة، بارعَ الوِراقة مُثابِرًا عليها يَعيشُ منها وقتاً، وأتقَنَ ما تولّاه منها وأجادَ تقييدَه وكتَبَ الكثير. وكان تقِيًّا وَرِعًا فاضلًا مُؤْثرًا للخَلوة والانفراد بنفسِه مُلازمًا مسجدَه أكثرَ نهارِه لا يكادُ يَبرَحُ منه، وكان دأْبُه الدعاءَ في سجودِه بقولِه: اللهمّ يسِّرْ علَيَّ الموتَ وما بعدَ الموت. وكان مُواظِبًا على التبكير بالتهجير يومَ الجمُعة، فذَكَرَ الأمينُ الفاضلُ أبو بكرٍ يحيى بن مُفرِّج المالَقيُّ قال: كنتُ أُجهِدُ نفسي أن أسبِقَه (١) إلى الجمُعة فأجِدُه قد سَبقَني وما قَدَرتُ قَطّ أن أسبِقَه، فكنتُ أركعُ إلى جانبِه فأسفعُه كثيرًا يدعو في سجودِه بذلك الدّعاء.

وقال أبو عبد الله الطَّنْجاليُّ: كنتُ أُصلِّي كلَّ جمُعة إلى جانبِه بمقصورةِ الجامع الأعظم بمالَقةَ فأسمعُه يدعو بذلك إذا سجَدَ، وأسمعُ أثناء ذلك وَقْعَ دموعِه على الحَصِير، فخرَجَ من مجلس إقرائِه يومَ موتِه من غيِر مَرض، فلمّا انتهَى إلى منزلِه التمسَ من أهلِه فَطورًا، فذهَبَتْ لتأتيَه بحَسْوٍ صُنعَ له، فجاءت به إليه فألفَتْه ميتاً رحمه الله، فقد قَبِلَ اللهُ تعالى دعاءه في تيسير الموت، واللهُ أكرمُ من أن لا يُجيبَ دعاءه في تيسير ما بعدَه بفضل الله عزَّ وجَل.

وكانت وفاتُه لليلةٍ بقِيَت من رجب أربع وأربعينَ وست مئة ابنَ نحوِ تسعينَ سنة، وقال أبو عبد الله ابن الأَبّار. إنه توفِّي في جُمادى الأُولى سنةَ خمس وأربعينَ، فاللهُ أعلم.


(١) قفز نظر ناسخ م إلى "أسبقه" الآتية.

<<  <  ج: ص:  >  >>