رَوى عنه أبو الرّبيع بن موسى بن سالم، وأبو عبد الله بنُ محمد بن دادوش، وأبو يعقوبَ بن يحيى بن عيسى بن عبد الرحمن التادَليُّ ابنُ الزَّيّات. وحدَّثنا عنه شيخُنا أبو عليّ حَسَنٌ الماقريُّ الكفيفُ.
وكان مشاركًا في فنونٍ من العلم، محدِّثًا مُسنِدًا عاليَ الرِّواية، حُلوَ النادرة، قويَّ العارضة، صَدْرًا في مشيخةِ أهل العلم بمَرّاكُشَ حظيًا عندَ الأُمراءِ مِقْدامًا في مَجالسِهم مقبولَ القولِ لديهم، مُبرِّزًا عندَ الخاصّةِ والعامة، صاحبَ مَنْظوم ومَنْثور وإجادةٍ فيهما، بارعَ الخَطّ، كتَبَ قديمًا عن بعض أُولي الأمر، وكان الأدبُ ومعرفتُه أغلَبَ عليه، واقتنَى من دفاترِ العلم ما قُوِّم بعدَ وفاتِه بستةِ آلاف دينار أو أزيَدَ.
وقد كثُرَ منه الاجتراءُ على الأُمراء من آل عبد المؤمن وتكرَّر تنكيته عليهم وتشنيعُ أحوالِهم حتّى أثَّرَ ذلك عندَهم واستَثْقلوهُ منه، وله في نحوِ ذلك أخبارٌ جافية، منها: أنّ أبا يوسُفَ المنصورَ قَدَّم بَنِيه وصِغارَ إخوتِه وبني أعمامِه وذوي قَرابتِه وُلاةً في البلاد ترشيحًا لهم وإشادةً بمكانتِهم لديه وتنبيهًا لقَدْرِهم، ووافَقَ ذلك فَصْلُ (١) شدّة القَيْظ، فأنكَرَ ذلك أبو العبّاس هذا أو أنكَره غيرُه من رُؤساءِ الدولة، فسَنَحَ له أو سُئل منه الاحتيالُ في فَسْخ ذلك التقديم فعَمَدَ إلى أزياءِ الملابس التي جَرَتْ عادةُ المُترَفِينَ باستعمالِها في فَصْل شدّة القُرّ كالفِراءِ وثيابِ الملف والقَباطِيِّ والبَرانِس فاستكثَرَ من لِباسِها وظاهَرَ بعضَها ببعض، وحَضَرَ بهذا الرِّياش بمجلس خوَاصِّ الطلبة ومجتمَعِهم بدار الإمارة، فعَجِبوا من استعمالِه مثلَ تلك المشار في ذلك الفَصْل واستَشْعروا أنّ فعلَه ذلك لإحدى فواقرِه، ومقدِّمةً لبعض نوادرِه، فسألوهُ عن سببِ مُظاهرتِه بتلك الملابس في ذلك الفَصْل الذي لا يستطيعُ أحدٌ استعمالَ مفرداتِها فيه، فقال لهم: إنّما قَدَّرتُ أنه فَصْلُ القُرّ وشِدّتهُ، وأنا منه في شهرِ يَنيَر، بلسان الرُّوم، وهو