للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهمّة، جميلَ المذهبِ، مُنقبِضًا عن الملوك لم يَخدُمْ أحدًا منهم بالطِّبّ، وهُو القائلُ في انقطاعِه إلى تعلُّم الطبِّ وأُنْسِه بمُطالعة كتُب رُؤسائه (١) [الكامل]:

لمّا عَدِمتُ مُؤانسًا وجَليسا ... نادَمتُ بُقْراطًا وجالينوسا

وجعَلتُ كُتْبَهما شفاءَ تفرُّدي ... وهما الشِّفاءُ لكلّ جُرْحٍ يُوسَى

ومن نَظْمِه آخِرَ عمُرِه، وقد تزَهَّد وانقبَضَ عن الناس في التوكُّل على الله والتنزُّه عن التعرّضِ إلى خَلْقِه (٢) [الطويل]:

أمِن بعدِ غَوْصي في علوم الحقائقِ ... وطُول انبساطي في مواهبِ خالقي

وفي حينِ إشرافي على مَلَكوتِهِ ... أُرى طالبًا رِزقًا إلى غير رازقِ

وقد آذَنتْ نَفْسي بتقويضِ رَحْلِها ... وأسرع في سَوْقي إلى الموتِ

وإنّي وإن أوغَلْتُ أو سرتُ هاربًا ... منَ الموتِ في الآفاقِ فالموتُ لاحِقي

وُيروَى في البيتِ الثاني: "ومن بَعْدِ إشرافي"، وفي الثالث: "رحلةٍ، وأعنَفَ في سَوْقي"، وفي البيتِ الرابع: "وإنّي وإن نقَّبتُ أو رُغْتُ"، ويُروَى فيه: "أو رُحتُ"، و"عن الموتِ بالآفاقِ".

وحَكَى عنه عمُّه أبو عُمَر، قال: دخَلتُ على ابن أخي وأنا مُكتئبٌ حزين، فقال في: مالكَ يا عمُّ؟ فقلتُ له: اشتَدَّ كَرْبي بأضراسي، فإنها قد وَهَتْ وضَعُفت عن قَطْع الطعام ومَضْغِه وتألَّمت، فقال: يا عمُّ، إنّ تدبيرَ الله اقتضى هذا, ولكلِّ شيء مُدّة، وإنّ بعدَ قُوّةٍ ضعفًا، وهذه أرحاءُ القَنْطَرة لا تصبِرُ على الطَّحن أكثرَ من عام ثم تَضمحِلُّ وربّما بُدِّلت قبلَ العام، أفلا تَعذُرُ أضراسَك على طَحْنِها سبعينَ عامًا ولم تُبدِّلْها! قال: فوعَظَني وسلَّاني وأضحَكني.

وتوفِّي سنةَ اثنتينِ وأربعينَ وثلاث مئة.


(١) البيتان في طبقات ابن جلجل وعيون الأنباء.
(٢) الأبيات في التكملة وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>