للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي "الذّخيرة السَّنية" نماذجُ من المُسامَرات الأدبية التي جَرَت بهذا المجلس في قَصْر الأمير المذكور، وذلك في المدّة التي أعقَبت دخول بني مَرِين إلى مَرّاكُش فيما بين سنة ٦٦٨ هـ وسنة ٦٧٠ هـ.

وبعد هذا التاريخ نجدُ ابنَ عبد الملك في مدينة أغمات قريبًا من واليها أبي عليّ عُمرَ ابن الفقيه أبي العبّاس بن عثمانَ بن عبد الجَبّار بن داودَ المتوسيِّ المِلْيانيّ، وأصلُ هذا الوالي من مِلْيانةَ (١): في المغرب الأوسط, وكان قد ثار على الحَفْصيِّين ودعا لنفسه ببلده المذكور سنة ٦٥٧ هـ، ولمّا اقتحم جيشُ الحَفْصيِّين مليانةَ بعد حصارٍ دام مدّة فَرّ أبو علي المذكورُ إلى المغرب، ولجأ إلى السّلطان يعقوبَ بن عبد الحق، فأقطَعَه بلدَ أغمات -أو وَلّاه عليها- وقد اشترك في غزوة جبل تينملَ سنة ٦٧٥ هـ، وكان منه الافتئاتُ المشهور في نَبْش قبور الخلفاء الموحِّدين تزلُّفًا وتشفّيًا، وفي عهد السّلطان يوسُف بن يعقوبَ استُعمل على جِباية المَصامِدة، وسعى به مشيختُهم ورَفَعوا إلى السلطان أنه احتَجن المالَ لنفسِه فحوسب وأقصِي واعتُقل، وهلك سنة ٦٨٦ هـ (٢).

ويُستفاد من كلام ابن عبد الملك أنه كان شديدَ الاتّصال به في أغمات على عهد يعقوبَ بن عبد الحقّ، ولكنّنا لا نعرف ما الذي وَصلَ أسبابَه بحَبْل هذا الرَّجل الغريب الذي يُعَدّ هو وابنُ أخيه الكاتبُ من أعجبِ شخصيّات الدولة المَرِينيّة في طَوْرها الأول.

وكان هذا الوالي، على بَطْشِه وقسوته، يحبُّ الأدب ويرتاح إلى سماع الشعر، ويدعو الشّعراءَ إلى التّباري في حَلَبته، معَ براعة في نقده وبصَر بتمييز جيِّده من رديئه، وكانت له حاشيةٌ من النّبلاء والأدباء والفقهاء، وقد حفظ لنا ابنُ عبد الملك أسماءَ بعضِهم، وهم: أبو يعقوبَ ابنُ الجَنّان كاتبه، وأبو محمدٍ عبد الله ابن المُعِزّ


(١) معجم البلدان ٥/ ١٩٦، والروض المعطار ٥٤٧.
(٢) انظر العبر لابن خلدون ٦/ ٦٥٦ - ٦٦٧ و ٧/ ٤٠١، ٤٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>