للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سطر، فإذا فيه: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: ٩٢] فقال له أبو مَدْيَن: [٣٨ أ] أما يَكفيكَ هذا (١)؟

واستَوطَنَ قديمًا مدينةَ فاس، فأقام بها قليلًا ولم يَزلِ المقامُ (٢) بها، وفَصَلَ عنها كارهًا جِوارَ أهلِها، وانتَقَل إلى تِلِمْسينَ ثُم إلى بِجَاية فاستقَرَّ بها. وكان شيخَ الصوفية في وقتِه ونفَعَ اللهُ بصُحبتِه خَلْقًا كثيرًا. ثُم إنّ المنصُورَ من بني عبد المُؤمن استَدعاه والشّيخَ أَبا زكريّا المَغِيليَّ (٣) إلى حضرتِه مَرّاكُشَ لأمرٍ اقتفَى ذلك عندَه، وكان أبو زكريّا ساكنًا بحَوْمةِ مِلْيانَةَ أو قريبًا منها، فأمّا أبو زكريّا فلم يُجِبْه، وكان من قوله: [...] (٤)، وأمّا أبو مَدْيَنَ فقال: أمّا أنا فأتوجَّهُ إليه غيرَ أنه لا يَراني ولا أراه، فأتَتْه منِيّتُه بتِلِمْسين، وصَدَقَ اللهُ أُمنيّتَه وحقَّقَ وعْدَه، وكان آخِرُ ما سمِعَ من كلامِه عند آخِر الرَّمَق: اللهُ الحَيّ.

وقال أبو علي الصوّاف (٥): لمّا احتُضِر أبو مَدْيَن استحيَيْتُ أن أقولَ له: أوصِني، فأتَيْتُه برَبِيبِه وقلتُ له: هذا فلانٌ فأوصِهِ، فقال لي: سُبحانَ الله! وهل كان عُمري معَكم كلُّه إلا وَصِيّة، وأيُّ وصيةٍ أبلغُ من مشاهدةِ الحال؟ وسمِعتُه عندَ النَّزْع وهُو يقول: الله الله الله، حتى رَقَّ الصّوتُ وتُوفِّي بيُسْر، في حدودِ التّسعينَ وخمس مئة، قيل: عامَ أربعةٍ وتسعينَ، وقيل: عامَ ثمانيةِ وثمانين، ودُفن بمقبُرة العَبّاد العُلْيا قِبْليّ تلمسينَ إلى جَنْب الصّالح الشَّهير أبي محمدٍ عبد السلام التونُسيّ رحمَهما الله، وقَبْراهُما هنالك متبرَّكٌ بهما مَزُورانِ متَعرَّفان (٦) البَرَكة، نفَعَ اللهُ بهما، وقد زُرتُهما أنا ووَلَدي أحمد، هداهُ الله.


(١) وردت هذه القصة في نيل الابتهاج ١١٠، والتشوف ٣٢٣.
(٢) كتب الناسخ فوقها: "بخطه".
(٣) انظر ترجمته في التشوف ٢٩٦.
(٤) بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات، ومعناها: "أنا لا أذهب إليه".
(٥) ينظر التشوف (٣٢١).
(٦) كتب الناسخ فوقها: "بخطه", لأن الجادة: "متعرفا" من غير نون.

<<  <  ج: ص:  >  >>