[٤٨ أ] فلِلفكرِ قَطْفٌ ثم للنفسِ نَعْشَةٌ ... وللعينِ من حُسْنِ الجميع نَصيبُ
ومن كلام كلِّ أحدٍ مأخوذٌ ومتروكٌ إلا من كلام سيِّد البشَر صَلَواتُ الله عليه وسَلامُه.
قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: ولا خفاءَ بشُفوفِ قطعة أبي مُحَمَّد طلحةَ على قطعة القاضي أبي أُمَيّةَ رحمهما اللهُ لشِدّةِ مُناسبتِها البيتَ الأول، ولكلِّ أجرُ اجتهادِه نفَعَهما الله. وممّا ينبغي التنبيهُ عليه أنّ الأُستاذَ أَبا محمد طَلْحةَ نبَّهَ فيما وقَفْتُ عليه بخطِّه على قولِه:"رَوْقٌ" بما نصُّه: مزحوفٌ جائز، وليس ما قاله بصحيح عند حُذّاقِ العَرُوضيّينَ حسبَما تقَرَّر منَ اصطلاحِهم، بل هو سالمٌ غير مزحوف؛ لأنه "فعولُن" على أصلِه، وبيانُ ذلك: أنّ هذه القطعةَ من الضَّرْب الثالثِ من الطَّويل وهُو المحذوف: كان أصلُه مفاعيلُن فحُذِف، والحَذْفُ: إسقاطُ متحرِّك وساكن من آخِرِ الجُزء، وهُو المسَمَّى عند العَرُوضيِّينَ سَبَبًا خَفيفًا، فصار الجُزءُ بعدَ الحَذْف مفاعي فنُقلَ إلى مثل وزنِه وهو فَعُولُن، وكثُرَ في فعولُن الذي قبلَه الزِّحَافُ المسَمَّى عندَهم بالقَبْض وهو حَذْفُ الساكن الخامسِ من الجُزْء، وكان أصلُه فعولُن فانتَقلَ بالقَبْض إلى فعولُ واستُعذِبَ في الذَّوق حتى صار مُزاحَفُه أعذَبَ من سالِمه، ذلك ليستَتبَّ لهم ما اعتَمَدوه من بناءِ دائرةِ الطَّويل على اختلافِ أجزائها، فتبيَّنَ بما قُلناه أن الجُزءَ الذي نَبَّه أبو محمدِ على أنه مزحوفٌ هو السالم، ومثلُه مما أنشَدَه الخليلُ:
أقيموا بني النُّعمانِ عَنّا رؤوسَكمْ ... وإلّا تُقيموا صاغرينَ الرُّؤوسا
وأنّ ما سواهُ من الأجزاءِ الواقعة موقعَه من سائرِ أبياتِ القطعة مزحوفة، وهي أعذَبُ في الذَّوق. فإن قلتَ: لعلّه يكونُ ذلك على اصطلاح بعضِ العَرُوضيِّينَ في إطلاقِهم الزِّحَافَ على كلِّ تغيير، قُلنا: لا تغييرَ في هذا، لمجيئه على أصلِه، اللهُمّ إلا أن يكونَ في الذَّوق وهُمْ لم يَعتبِروه ولا وَضَعوا لهُ لقَبًا حتى يكونَ له أثر،