للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابنُ القُرْطُبي وأبو الرَّبيع بنُ سالم، ويَسكُتُ عن الثالث فيَرَوْنَه يعني نفْسَه، قال أبو عبد الله ابنُ الأبار: ولم يكنْ أبو القاسم المَلّاحيُّ بدونِهم.

قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: أبو القاسم المَلّاحيُّ وإن كان من مشاهير المحدِّثين وجِلّة الحُفّاظِ المؤرِّخين، فإنه ينحَطُّ مهاويَ كثيرةً عن مَرْقَى هؤلاءِ العِلْيَة رحمهم الله، ولا يُدانيهم في تفنُّنِهم وجَلالةِ مَعارِفِهم، ومن تصفَّحَ أحوالَهم وتأمَّلَ آثارَهم تبيَّنَ له ما ذكَرْتُه، ويكفي من شواهدِ ذلك ما سيأتي في رَسْم المَلّاحيِّ من عملِه في "كتابِ أربعينَ حديثًا" من جَمْعه إن شاء الله.

وعلى الجُملة، فكان أبو محمد ابنُ القُرْطُبيِّ من كُبَّرِ مفاخرِ زمانِه، قُرئَ عليه يومًا بابُ الابتداء بالكَلِم التي يُلفَظُ بها من "إيضاح" الفارسيِّ، وكان أحسَنَ الناسِ قيامًا عليه، فتَكلَّم على المسألةِ الواقعة في ذلك الباب، المتعلِّقة بعلم العَروض، وكان في الحاضِرينَ مَنْ أحكَمَ صناعةَ العَروض فجاذَبَه الكلامَ في المسألة وضايَقَه في المُباحثة، حتّى أحسَّ الأستاذُ من نفْسِه التقصير، إذْ لم يكُنْ له قَبْلُ كبيرُ نَظَرٍ في العَروض، فكفَّ عن الخَوْض في تلك المسألة، وهمَّه ذلك وشَغَلَ بالَه واشتَدَّ عليه، وانصرَفَ إلى منزلِه وعَكَفَ سائرَ يومِه على تصفُّح عِلم العَروض حتّى فَهِمَ أغراضَه وحَصّلَ قوانينَه وصنَّفَ فيه مختصَرًا نبيلًا لخَّصَ في صَدْرِه فَرْشَه، وأبدَعَ فيه بنَظْم مثلِه في صدورٍ خمسة، لخمسِ دوائرِ الشِّعر العَرَبي، ينفَكُّ من كلِّ صدرٍ أشطارُ دائرتِه [٥٩ أ] وأعاريضُها، ونَظَمَ لكلِّ شطرٍ أيضًا عَجُزًا تُعرَفُ به أنواعُ ضروبِه، وجاء به الغَدَ مُعجِزًا مَن رآه أو سَمِع به، فبُهِتَ الحاضِرونَ وقضَوا (١) العَجبَ منَ اقتدارِه وذكائه ونفوذِ فَهْمِه وسموِّ همّتِه.

قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: لمّا أجرَيْتُ ذكْرَ هذه الغريبةَ رأيتُ من تمام الإشادة بمطلَع آياتِها، الإفادةَ بإيرادِ أبياتِها، واختصار ما يتَعلَّقُ [بها] (٢):


(١) هكذا في الأصل، ولو قال: "وما قضوا" فهي لا تستعمل إلا منفية.
(٢) زيادة متعينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>