ويحذرونهم منه .. ولكن الله تعالى جعلهم ألسنة نشر ودعاية للرسالة والرسول - صلى الله عليه وسلم - .. وسرى الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس، يدخل إلى منازلهم، ويلج عليهم محافلهم وأنديتهم، وارتفع الهمس إلى جهر القوّة عن دعوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ورسالته التي جاء بها من عند الله تعالى، ليقوم الناس بينهم بالقسط، في ظل عقيدة التوحيد، وخلع الأنداد، وإخلاص العبوديّة لله وحده، والتحرّر الفكري والاجتماعي الذي يعطي كل إنسان حقّه في العيش الكريم، وحقّه في إطلاق عقله، وإضاءة قلبه، وإشراق روحه!
واشرأبّت الأنظار هنا وهناك تتطلّع إلى رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم -، والاستماع لما أنزل عليه من القرآن المبين، فلما خرج إليهم بنفسه داعياً إلى الله، مبلغاً رسالة ربّه، بعد أن سدّت قريش منافذ قبول الهداية على نفسها، خرج مهياً للاستماع إليه، ولقي - صلى الله عليه وسلم - الناس ودعاهم إلى الهدى، فكانوا بين مباعد ومقارب، وقليل منهم من يفتح قلبه للهداية فيقبل الحق مؤمناً به، وكثير معرض ينظر ويتفكر!
[٢٩ - نماذج الخبث البشري]
هذا، والآيات التي أجمع المفسرون على أنها نزلت في الوليد بن المغيرة -باعتباره نموذجاً لأخبث لون من شرور البشرية التي تنتابها في أجيالها المتعاقبة، وبيئاتها الاجتماعيّة المختلفة تأستياً بهؤلاء الشرّيرين من نماذج الانحراف البشري، الذين أوتوا من أسباب الدنيا مصادر قيادة الجماهير والغوغاء قيادة طغيان كفور، وفجور مستكبر، واستبداد ظلوم- تصف هذا الطاغية العنيد بأوصاف لا تقصد إلى اختصاصه بها، ولكنها تستهدف تصوير الشكول والصور في الأفراد والجماعات التي تصبّ في قوالبها هذه النماذج الخبيثة، وتضع في إطارها معالمه!