الخاطفة، والصورة البشعة الهائلة، التي انتهى بها هذا الحادث، ليست من سنن الحياة المألوفة المكررة، ولكنها من سنن الوجود المدخرة، لأحيانها ومناسباتها، فهو محجزة لنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، مقدمة عليها، إرهاصاً لها وتأسيساً بوقوعها، أعلم الله به نبيه ممتناً بها عليه عند تشريفه بدواعيها!
وإلا فمتى كان في معهود الناس، ومتعارف الأحداث، أن طيراً -بهذا العنوان الذي له صورة خاصة لدى من يسمعه- تَفِدُ جماعات في إثر جماعات، تحمل معها حجارة من طين يابس متحجر، حتى كأنه طُبخ بالنار، ثم تعمد هذه الجماعات من الطير إلى جماعات من الناس مخصوصة، لا تتعداهم إلى غيرهم، فترميهم بما حملت من الحجارة، فتصيب مقاتلهم، إلا قليلاً ممن نجا سقيماً، ليكون عنواناً على هول ما أنزل الله بهم من نقمة في هذا الحادث الجسيم!
[٢ - موقف الإيمان وموقف العقل]
وثاني ما يطالعنا: أن هذا هو الذي قال الله تعالى، وقصه علينا في صراحة لا تحتمل لبساً ولا تأويلاً، وقد آمن بهذا المؤمنون، وعلموا أن سنن الكون أجل من أن يحيط بها علمنا، وأخطر من أن تكون حبيسة في دائرة عقولنا المحدودة، وأن منها سنناً عامة معهودة متعارفة، وأن منها سنناً خاصة تقع عندما تتهيّأ لها دواعيها، وخوارق العادات التي يجريها الله على أيدي أنبيائه ورسله من سنن الكون الخاصة التي جعلها الله عنواناً على صدقهم وتكريمهم!
أما الذين وقفت بهم عقولهم عند مألوف الناس، واحتكموا في الحادث إلى العادات الجارية المتكررة، وأرادوا أن يخضعوا سنن الله في الكون، وإرادته