والشأن في المؤمن أن يتلقَّى هذا الذكر في وجل وارتعاش، وفي تأثر شديد تقشعرّ منه الجلود، ثم تهدأ النفوس، وتأنس القلوب بهذا الذكر، فتلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٢٣)} (الزمر)!
وتلك صورة حيّة حسّاسة ترسمها الكلمات، فتكاد تشخص فيها الحركات!
[الاعتبار الثاني]
معلوم أن المشركين لم تكن قلوبهم ناجية من الرعشة والرجفة -كما أسلفنا- وهم يستمعون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، إنما كان العناد المصطنع هو الذي يحول بينهم وبين الإذعان .. ومثل هؤلاء إذا استمعوا إلى سورة (النجم) من محمد - صلى الله عليه وسلم - أقرب ما يقبله العقل ويؤيّده النقل أن تصادف قلوبهم لحظة الاستجابة التي لا يملكون أنفسهم إزاءها، وأن يؤخذوا بسلطان القرآن الكريم فيسجدوا مع الساجدين .. بلا غرانيق ولا غيرها من روايات المفترين!
ومن فضل الله على الدعاة أن القرآن دستورهم .. وأن الاحتكام إلى منهج الله في كتابه ليس نافلةً ولا تطوّعاً ولا موضع اختيار (١) .. إنما هو الإيمان .. أو فلا إيمان: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (٣٦)} (الأحزاب).