تلك الغرائز، وعبداً لشهواتها، تتحكّم فيه، وتوجّهه في طريق أغراضها، وتصبح معارفه وسيلة من وسائلها في تلوين الحياة، كما تشتهي وتريد!
[٨ - سطوة الغرائز]
وثامن ما يطالعنا: أن تاريخ الحياة والأحياء يدل على أن سلطان الغريزة كان أقوى في الأفراد والجماعات من سلطان (العقل)، كما يدل على أن الحياة أسرع استجابة لنداء الغريزة من منطق (العقل)، وأساس قيادة في يد الغرائز منها في يد (العقل)، والغرائز في الإنسان شبيه بعضها ببعض في مطالبها وغاياتها، ولكنها تختلف في الأفراد قوةً وضعفاً، وظهوراً وكموناً، وليس (العقل) الإنساني على هذا الغرار في أفراد الإنسان، فهو مختلف فيهم أشد الاختلاف، وقلما يتفق (عقل) و (عقل)، فاتفاق الغرائز في الغايات يكسبها قوة في مطالبها وتنفيذ أغراضها، واختلاف (العقول) يوهن من سلطان (العقل) على الغرائز، والغرائز منافذ للقوى الماديّة تتنفس منها، ومن ثم نراها تشتطّ في تنفيذ رغائب الجسد، وتحاول أن توجّه قوى الحياة -حتى العليا منها- إلى مقاصد ماديّة، لا وزن عندها للقيم الخلقيّة من العدل والرحمة والإيثار، إلا إذا كانت وسيلة لنفع مادي، وقضاء شهوة جسديّة، فالظلم والقسوة والأثرة في لغة الغرائز ومنطق المادة الصماء تساوي العدل والرحمة والإيثار في كثير من الأحايين والأوقات!
والغرائز إذا انطلقت على سجاياها، وتغلّبت على (العقل)، كيّفت أعمال الأفراد والجماعات، على حساب ميولها وهواها، وخلعت على تصرفات الأشخاص والأشياء نعوتاً من لغتها، حتى تصبح القوة الغاشمة هي