مقدمة من استجابوا للرسالة، الذين وجدوا عنده المواساة والإيثار والرحمة، فأخلصوا له، وتقبّلوا هديه بروح عالية، وتحمّلوا من فوادح الإيذاء والتعذيب -كما سيأتي- ما لم يكن في طاقة بشر!
وقد كانوا بإخلاصهم في طليعة المؤمنين الأثر الحيّ الذي صاحب الدعوة إلى الله في مراحلها وشدائدها وانتصاراتها .. فقد رأوا مكارم الجود الذي عبّرت عنه أمّ المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - في كلماتها النورانيّة في صحائف الغيب بالتأمّل الشفيف الذي يقرأ كتاب المستقبل في لوح الماضي القريب!
[١٢ - وتقري الضيف]
وهل يملك النفوس الأبيّة إلا تقليدها قلائد المجد في سخاء يملك عليها نخوتها التي تتمثَّل في لقاء الضيف -وهو يقبل على استحياء- ببشاشة الطبع البسّام لمغارم المكارم!
ومغارم الجود عند ذوي الطبع الكريم مغانم، إذا انهملت غيوثها على أرض أصيلة التربة طيّبة الأصالة، ولكنها خاشعة ظمئة، وهل أطيب أرضًا من قلب ضيف يقبل طامعًا، ولكنه متردّد يخشى الجفلة، ويخاف الجفوة، فإذا سمع مرحبًا تناهت عنده إليه المكارم!
ومن ثم كان إكرام الضيف من أعظم الفضائل الإنسانيّة الاجتماعيّة، وهي -وإن تداخلت في عموم مكارم الجود بخصائصها- مستقلّة الأثر في قوّة اجتذاب القلوب، وأسر النفوس، ولا سيّما إذا كانت في بيئة مثل البيئة التي نهد فيها محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، بيئة الصحارى والجبال، والوديان والقفار، الشحيحة بمطالب العيش، ووسائل الحياة!