للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت أساساً لدعائم تكوين المجتمع المسلم، وتحديد خصائصه، وتحصين كيانه، وحماية وجوده! وقد كان هذا التوجيه منفذاً من منافذ سريان الدعوة إلى العقول والقلوب، اتخذ فيه سَيْرُ الرسالة سَمْته إلى تبيث أقدامها راسخةً هادئة، في صبر لا ينفد، وعزائم لا تفتر!

[٤٠ - إسلام الطفيل الدوسي]

قال ابن إسحاق: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، على ما يرى من قومه، يبذل لهم النصيحة، ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه، وجعلت قريش، حين منعه الله منهم، يحذّرونه الناس، ومن قدم عليهم من العرب!

وكان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدّث: أنه قدم مكّة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها، فمشى إليه رجال من قريش، وكان الطفيل رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً، فقالوا له: يا طفيل، إنك قَدمْتَ بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا، قد أعضل (١) بنا، وقد فرّق جمَاعتنا، وشتّت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرّق بين الرجل وأبيه، وبين الرجل وأخيه، وبين الرجل وزوجته، وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنّه ولا تسمعن منه شيئاً!

قال: فوالله ما زالوا بي، حتى أجمعت ألا أسمع منه شيئاً، ولا أكلمه، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كُرْسفاً (٢)، فَرقاً من أن يبلغني شيء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه!

قال: فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول - صلى الله عليه وسلم - قائمٌ يصلّي عند الكعبة،


(١) أي: اشتد أمره، يقال: أعضل الأمر إذا اشتد ولم يوجد له وجه، ومنه الداء المعضل.
(٢) أي قطناً.

<<  <  ج: ص:  >  >>