للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن إسحاق: قال: فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإِسلام، حتى هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ومضى بدر وأحد والخندق، ثم قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمن أسلم معي من قومي، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر، حتى نزلت المدينة، بسبعين أو ثمانين بيتاً من دوس، ثم لحقنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر، فأسهم لنا مع المسلمين. (١)

[٤١ - نور الهداية]

تلك واحدة من الأحداث التي كانت أثراً من آثار العتوّ الوثنيّ الذي ادّاركه ملأ قريش وطغاتها في موقفهم من النبي - صلى الله عليه وسلم - (٢)، وهم يحذّرون الناس منه، فجعلهم الله تعالى وهم راغمون كارهون ألسنة دعاية ونشر لدعوته وتبليغ رسالته، فانقلب عليهم قصدهم، وردّ الله كيدهم في نحورهم! وكان الطفيل الدوسي واحداً من ألبّاء العرب وعقلائهم الذين لم يرضوا لأنفسهم الذلّة والخنوع لطغيان ملأ قريش؛ إذ تلقفوه في قَدَماته مكّة وهم يعرفونه لبيباً حكيماً، ذا مكانة مرموقة في قومه، وكلمة مسموعة فيهم، فخافوا عليه وعلى قومه أن تبلغهم دعوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وهداية رسالته، وأن يسمعوا شيئاً مما ينزّل عليه من كلام ربّه نوراً وهدًى للناس ورحمة للعالمين، وهم أعلم الناس بروعة البيان القرآني، وسحر هدايته، وأثرها في العقول والقلوب، فاستقبلوا الطفيل محذّرين، مخوّفين، مرجفين بالباطل والزور .. ولكن الخداع المضلّل، إذا غَشَّى بصيرة العقل المستبصر لحظة أو لحظات فسرعان ما ينبلج في آفاقه ضوء الحقيقة ونور الهداية .. وبهذا كانت دوسٌ وزعيمها الطفيل كتيبةً من كتائب الإِسلام التي


(١) السيرة النبوية: ابن هشام: ٢: ٢٨.
(٢) محمَّد رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ٢: ٢٧٠، وما بعدها بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>