وسبق أن ذكرنا طرفاً من عظم البلاء على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصبروا وصابروا ورابطوا!
[٢٥ - تبليغ الرسالة]
وكان موقف العناد الكفور (١)، والتعنت الجهول الذي وقفه ملأ قريش في مكالمتهم الجماعيّة المتعنتة حافزاً من حوافز الإفدام ودافعاً من دوافع القوة، وعاملاً من أقوى عوامل الإصرار الحازم والعزم الصارم، دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بسط دعوته في أكناف مكة وما حولها من محلات العرب ومنازلهم ومجتمعاتهم ومحافل مواسمهم وأسواقهم!
فكان - صلى الله عليه وسلم - لا يسمع برئيس قبيلة أو زعيم بيت أو عشيرة من بيوتات وعشائر العرب وبطونهم في منزل من منازل الوافدين على مكة للتجارة أو الحج إلا ذهب إليه يدعوه وقومه إلى الله، ويناديه إلى الهدى ائتنا، ويسمعه من آيات القرآن الكريم ما فيه شفاء للقلوب والأفئدة، ونور للبصائر والأفكار، وكانت قريش بعد فشلها في مكالمته - صلى الله عليه وسلم -، وما عرض عليه ملؤها من أمور الدنيا الماديّة تتبعه أينما ذهب، وحيثما ولّى وجهه أو نزل، فإذا سمعوه يدعو إلى الله تعالى بادروه بالتكذيب والاستهزاء، ورموه بالجنون والسحر، وكان أشدّهم عليه -كما أسلفنا- عمه المتبوب أبو لهب .. ومعلوم أن الناس كانوا في جاهليّتهم أشدّ تمسكاً بمواريث الآباء والأجداد، وأشدّ حرصاً على التشبت بمراسم الماديّة الوثنية؛ لا يفهمون لأول وهله إلا ما وافق تراثهم الجاهلي وعاداتهم التقليديّة! فإذا دعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى توحيد الله تعالى، وخلع الأنداد وإخلاص
(١) محمَّد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ٢: ١٢٣ وما بعدها بتصرف.