عليه - صلى الله عليه وسلم - قصور بلاغته عن بلاغة شيء من آيات القرآن، سواء قلنا بتفاوتها في البلاغة، كما اختاره أبو نصر القشيري وجماعة، أم قلنا بعدم التفاوت كما اختاره القاضي، فيعتقد أنه قرآن حتى ينبهه جبريل عليه السلام، لا سيّما وقد تكرّرت على سمعه الشريف حلاوة الآيات، ومازجت لحمه ودمه، والواحد منّا وإن لم يكن من البلاغة بمكان إذا سمع شعر شاعر وتكرّر على سمعه يعلم إذا دُسّ بيت أو شطر في قصيدة له أن ذلك ليس له، وقد يطالب بالدليل فلا يزيد على قوله: لأن النَّفَس مختلف!
قال العلاّمة الآلوسي: وهذا البعد متحقّق عندي على تقدير كون الملقى ما في الرواية الشائعة: وهو (تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى)، أيضاً لا سيّما على قول جماعة: إن الإعجاز يتعلّق بقليل القرآن وكثيره من الجمل المفيدة، لقوله تعالى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (٣٤)} (الطور)!
والقول بأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - خفي عليه ذلك التأديب فيه ما فيه، ولا يبعد استحقاق قائله للتأنيب، بل أبلغ التعزير، إذا لم يكن هذا الذي قاله الكوراني داخلاً في الإطار العام للارتداد عن الدّين!
ونقول إذ فتح العلاّمة الآلوسي (باب الجزاء في هذه القالة الهوجاء): إن القول بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - خفي عليه ذلك لتأديبه يستحق صاحبه أقصى مراتب التعزير، الذي يصحّ أن يبلغ به ما تبلغ خطورة الجرم وما يترتّب عليها من آثار جسام، ولو انتهى إلى عقوبة بتقدير الشرع!