شاركت في هزيمة الماديّة الوثنيّة هزيمة منكرة، ونشرت راية التوحيد، وكسرت قناة الطغيان في ملأ قريش كسرة لم تقم لهم بعدها قائمة .. حيث طهرت البلد الحرام من رجس طغيانهم، وأخرج الله من أصلابهم بطولات الدعوة والهداية والفتح المبين!
[٤٢ - مضاء العزيمة]
وهذا نموذج من سياسة الحكمة التي انتهجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تبليغ رسالته، ونشر دعوته بعزيمة لا تعرف التردّد في الأمور، وصبر يحتمل ما لا تحتمل شمّ الراسيات، أوذي ويؤذى فصبر، ويصبر على أذى السفهاء من غوغاء قريش، وسيم بالبلاء من ملئها فلم تفل له عزيمة، ومضى قدماً في عزيمة ماضية، وصبر صبور، فكان ذلك من أعظم عوامل نشر الدعوة بين مجتمعات العرب في مواسمهم ومنازلهم، وكان هذا الصبر قوّة تدفع بالدعوة إلى آفاق أوسع وأفسح من آفاق مكة وقريشها، وكأنما كان هذا الصبر المكافح يحمل الدعوة إلى الله في أشدّ أزماتها على أجنحة النصر المؤزر على رغم قوى الشرّ المؤلبة لمقاومتها، وكان هذا الصبر الصبور مدداً من القوة لا ينفد، يمدّ الدعوة بقوّة العزائم التي تنهض بها لتبليغ غايتها من العقول والقلوب في غير عجلة متسرّعة، وكان هذا الصبر الجميل يزيد قريشاً طغياناً وكفراً وعتوًّا وعناداً، ويضاعف من أحقاد ملأ الطغاة وأضغانهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى أصحابه، ولكنه كان يزيد في قوة إيمان المؤمنين، ويشجّع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخروج بدعوته من حصار مكة وأهلها وعشائرها التي تقودها الوثنيّة العمياء بزمام العتوّ والكفور!