والآيات الحكيمة المحكمة تبدأ بلون من التهديد المرعب، زجراً لغرور الفجور الذي أفعمت به نفس هذا الطاغية العنيد، فيقول الله تعالى مخاطباً نبيه - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي واجه عتوّ طغيان هذا الكفور، وطغيان أمثاله من أحلاس المادية الوثنية:
{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١)} ليكون تهديد نماذج الفجور الوثني بما يصبّ عليهم من النكال والوبال، وشدّة العذاب، مصحوباً بإشراق الأمل في نفس الداعي إلى الله رسوله الصادق الأمن محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وحافزاً من حوافز الصبر على مكاره الطغاة وأذاهم، ودافعاً من دوافع مضاء العزائم في المضيّ قدماً يسير الدعوة وتبليغ الرسالة، ووعداً بالنصر المؤزر على جند الباطل مهما تجمعوا وتألّبوا، وعاملا من عوامل تثبيت اليقين في نفوس عامة المؤمنين، وهم في غمرة البلايا والمحن! والتهديد في هذه الآية بيّنٌ في أسلوبها المعجز بروعة بيانه، مع الإيجاز المحكم، فالله تعالى يقول لنبيّه - صلى الله عليه وسلم - يسلّيه ويخفف عنه عبء ما لقي ويلقى من شدائد المحن في دعوة هؤلاء الفجّار من عبيد الوثنيّة الماديّة المتهاوية، فكأنه قيل له - صلى الله عليه وسلم -: لا تحمّل نفسك نصب التفكير في صدّ تيّار الطغيان في هذا الفاجر الأثيم، ولا يمتلئن قلبك همًّا بدفع سفاهته وغروره، ولا تشغلن بالك به، وامض في طريقك هادياً مرشداً، ودعني وإيّاه فأنا وحدي كفيل بردعه ردعاً ينزل به نكال الآخرة والأولى!
[٣٠ - أسلوب الآيات]
وأسلوب الآيات في التهديد المزمجر جرى على المعهود في طرائق تخاطب الناس بعضهم مع بعض. وهو نهج القرآن الكريم في مخاطباته، جرياً على السّنَن المألوف، ليكون أفهم وأبلغ في الوصول إلى الغرض المقصود!