يقول الشيخ أبو زهرة: ونرى من هذا أن القاضي عياض قد قسّم الأوصاف التي تحلّى بها النبي -عليه الصلاة والسلام - إلى قسمين:
أحدهما: كان بالفطرة الإنسانيّة، وهي كمال الفطرة، ويلحق بها أوصافه الجسمية - صلى الله عليه وسلم -!
وثانيهما: ما اكتسبه بمقتضى التعاليم الشرعيّة، وذكر منها التواضع والحلم، والصبر والشكر، وحسن المعاملة، وبشكل عام ما يتعلق بحسن الأخلاق الذي هو جماع الفضائل الإنسانية، ويذكر أن من هذه الصفات المكتسبة بحكم الشرع الشريف والوحي إليه، مما تلتقي فيه الفطرة المستقيمة مع الوحي، فالجود والتواضع، والصبر، والفصاحة، والتأني، وحسن التأتي للأمور، والرفق في القول والعمل، ولين الجانب من غير ضعف، والقول الحق من غير عنف، كل هذه الصفات كانت في محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -، كانت فيه بفطرته المستقيمة وبتهيئة الله تعالى قبل الرسالة، إعداداً لهذا المنصب الخطير، وهو رسالة الله تعالى إلى خلقه!
[العقل المحمدي]
ولم يتوافر العقل الإنساني كما توافر في الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولو لم ينزل عليه الوحي ويخاطب من السماء لكان عقله وحده كافياً لأن ينشئ دولة، ويقيم مجتمعاً طيّباً فاضلاً، ولكن أتمّ الله عليه نعمته، فجعله نبياً مرسلاً، فاجتمع له الكسب الذاتي بالإدراك بالفطرة الإنسانية العالية المكتملة بالتكوين الإنساني، والرسالة الإلهيّة الهادية المرشدة، وكانت الأولى مقدمة للثانية، وما كانت إحداهما لتغني عن الأخرى!