وابتدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سائر قومه، وساكني مكّة، ومن يردها في الأسواق والمواسم بدعوته إلى توحيد الله تعالى .. وخلع الأنداد، وترك عبادة الأصنام .. وصدعَ بحقّه باطلهم، وشقّق بقوّة عقيدته وتوحيد ربّه إهاب وثنيّتهم، ولطم بتبليغ رسالته وجه شركهم، فسمعوا منه، وتحدّثوا عنه، ولم يبعدوا عنه في أوّل ما أعلنهم بدعوته، ودعاهم إلى رسالته، ولم يردّوا عليه أمره، ولم يعالنوه بشديد العداوة، حتى نزل الوحي الذي بيّن ضلالهم، وسخر من عقولهم، وحطّ من شأن الذين اتخذوا الأوثان آلهة، وتلا عليهم في ذلك من بيان القرآن ما لم يكن لهم به عهد!
ولم يكن لهم معه من صبر، فأعظموا ذلك وأنكروه أشدّ الإنكار، وحاولوا معه - صلى الله عليه وسلم - أن يكفّ عن ذلك .. ولكن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مضى يقرع آذانهم، ويدقّ على أبواب قلوبهم، بقوارع آيات الله تعالى ونذره وزواجره، من السور المكيّة من القرآن العظيم، وفيها من التجبيه والسخرية، وقواطع البراهين على باطل عقائدهم، ما أثارهم على الرسالة والرسول - صلى الله عليه وسلم -، فتذامروا عليه، وانتهضوا لمقاومته، والوقوف أمام دعوته!
ولكنهم كانوا يرون حدَب أبي طالب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودفاعه عنه،