للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليه إلا عرف أنه باطل، وكأنه قد سدّت دونه منافذ التفكير والتدبير والتقدير، فولَّى عن قومه معرضاً مستكبراً مغيظاً محنقاً، قد أحرق الحق قلبه، وهو يقول كمن يرمي بالقول رمياً لغير قصد، لا يبالي أن يكذّب نفسه، ولا أن يكذّبه قومه: {فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤)} (المدثر).

وكان قد قال لقومه وهو يحاورهم ويستطلع ما عندهم في أمر محمَّد - صلى الله عليه وسلم - فيما قال لهم: يزعمون أن محمداً ساحر، لا، والله ما هو بساحر، وقد رأينا السحّار وسحرهم، فما هو بنفثهم ولا عقدهم!

[٣٣ - رأي آخر]

وكأن الطاغية قد تداركه شيء من نفحات الإنسانيّة، فأخذه من الحياء والخجل ما يأخذ الذين بقيت فيهم بقيّة من عقل، وتذكّر أنه كان قد نفى السحر عن محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ما حكاه القرآن عنه: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥)} (المدثر).

قال الفخر الرازي (١): والمعنى أن هذا قول البشر، ينسب ذلك إلى أنه ملتقط من كلام غيره، ولو كان الأمر كما قال لتمكّنوا من معارضته؛ إذ طريقتهم في معرفة اللغة متقاربة!

واعلم أن هذا الكلام يدل على أن الوليد إنما كان يقول هذا الكلام عناداً منه، لأنه روي عنه أنه سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (الم السجدة)، وخرج من عند الرسول - صلى الله عليه وسلم -، قال: سمعت من محمَّد كلاماً ليس من كلام الإِنس ولا من كلام الجن، وإِنه له لحلاوة، وإِن عليه لطلاوة، وإِنه يعلو ولا يُعلى عليه!


(١) التفسير الكبير: ٣٠: ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>