هذا، وعيوب النفوس وآفاتها، ومطالب الأعمال وسؤالها، أكثر من أن يحصيها العدّ، وأشق من أن يقضى عليها بجملة واحدة من الجهد، وعلينا أن نجاهد عيوبنا في داخليّة نفوسنا، وفي صميم حياتنا الفرديّة، ونكافح عيوباً في أسلوب معاملاتنا تمسّ حياتنا في الجماعة!
وقد اختار القرآن الكريم لوناً مركباً من نوعين: نوع ينبت خلقاً في أرض القلب، ثم تخرج ثمرته عملاً له أعظم الأثر في كيان المجتمع .. ويجمل بنا أن نتصفح السور الأولى التي جاءت في طليعة الوحي، بل التي نزلت في الصدر الأول كله من الحياة النبويّة!
وعدد السور المكيّة بضع وثمانون سورة، إذا استثنينا منها السور المتصلة بالعقيدة والقصص والكونيّات وما إليها، من الحقائق النظريّة، أو المبادئ الكليّة، وهي زهاء نصف هذا العدد، وجئنا إلى النصف الآخر الذي ورد فيه شيء من الوصايا العمليّة المفصلة .. فإننا سنرى عجباً .. سنرى أرباع هذه الصور، أو على وجه التحديد ثلاثاً وثلاثين سورة توجّه حملتها لاستئصال مرض بعينه، إما على الإفراد أو بضميمة أمراض أخرى إليه!
أتدري ما هذا المرض؟!
إنه مرض الشح والمنع للخير .. مرض الإمساك خشية الإنفاق .. مرض انطواء الأغنياء على أنفسهم .. وإغماض عيونهم عما حولهم من حاجات الأمّة والأفراد .. مرض الإسراف في حبّ المال .. مرض الحرص على العض على هذا الحطام بالنواجذ!