ودعوته - صلى الله عليه وسلم - تستهدف تخليصهم من مساوئ الأنانية، وسيطرة الغرائز الماديّة في رغائبها وشهواتها، لتقيمهم أئمّة، في مشاهد الإيثار والإفضال، في جوّ من الإخاء الإيماني الذي لا يعرف: هذا لي وحدي، ولكنه يعرف ما يقرؤه في دستور رسالته الخالدة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)} [الحجرات: ١٠]!
والأخوّة تعني المشاركة في جلب المنافع، ودفع المضار، والحياة -في شرعة الإخاء الإيماني- للناس جميعًا، لا يستأثر بشيء منها أحد، فمن احتاج منها أخذ بقدر حاجته وطاقته، ومن وجدها في يده جاد بها وأعطى!
تلك إشارات إلى أهداف رسالة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وغاياتها ومقاصدها، جعلت العلم بجميع فنونه الماديّة والفكريّة، والمعرفة بأنواعها التجريبية والعقليّة وسيلة تحقيقها لكن المجتمع البشري الذي أُرسل فيه وإليه محمَّد - صلى الله عليه وسلم - بجميع أممه وشعوبه، وجماعاته وأفراده، لم يكن يعرف هذه الأهداف، ولا يحاول أن يعرفها؛ بل كان هذا المجتمع يعيش على نقائض هذه الأهداف الإصلاحيّة، التي تطلب في قوة حازمة، وعزيمة صارمة، من حاملي أمانتها، ووارثي تبليغ رسالتها أن يعملوا بكل ما أوتوا من طاقات وقوى، على كسر حدة تلك النقائض، ليخرجوا الحياة بمن فيها وما فيها من ظلمات الأثرة، وظلم الأنانية، إلى نور الإيمان والهداية، وعدل المساواة والمواساة، بتطبيق دستور هذه الرسالة الخالدة في واقع الحياة!
[١٨ - فترة الوحي]
ونجد أنفسنا أمام فترة الوحي التي كانت لطفًا من الله -عَزَّ وَجَلَّ - ورحمةً بخاتم رسله - صلى الله عليه وسلم -، ونحن نقرأ: {وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢)