للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما قَدْر الملك عليهم وعلى قريتهم وبلدهم، وهي التي يملكون أمرها؟! وأي ملك هذا؟ ملك قرية متقارية الأكتاف، ويقطعها الرجل مشياً في زمن لا يستغرق ساعة من نهار، ليس فيها من مظاهر الرياسة بله الملك سوى هذه العنجهيات الجوفاء تملأ الأدمغة النخرة، فمحمد - صلى الله عليه وسلم - عاش منذ مهده وشبوبيتّه ورجوليّته على سمع قومه وبصرهم، فلم يطلب من أحد منهم شيئاً مما يتصل بالدنيا، ولما بعثه الله تعالى برسالته رحمة للعالمين، لم يعنت قومه، ولم يسألهم دنياهم ولازاحمهم عليها، وكان أبعد الناس عن زخرفها وحطامها والتكثّر منها! وإنما سألهم أن يطهروا أنفسهم وعقولهم وقلوبهم من رجس الوثنية، ووضر الشرك .. سألهم أن يوحّدوا الله في تعبّدهم، وأن يخلعوا من أعناقهم عبادة الأحجار والأوثان، كل ذلك في كلمة واحدة، إذا قالوا وعملوا بمضمونها وحقيقتها ملكوا الدنيا بها!

[١٨ - رسالة ورسول]

ولم يكن في دنيا مكة، ودنيا العرب، صاعدين ونازلين، مشرّقين ومغرّبين، ولا كان في دنيا سائر الناس وراء العرب شمالاً وجنوباً رجل أصحّ عقلاً وأسدّ فكراً، وأطهر قلباً، وأنور روحاً، وأكمل جسماً، وأعلى في نقاء البشريّة وصفائها كعباً من محمَّد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي الذي اختاره الله تعالى في أكمل البشريّة سنًّا وعقلاً وفكراً وقلباً وروحاً، نبياً ورسولاً إلى العالمين، يدعوهم إلى الهدى، ويخرجهم من الظلمات إلى النور!

ولكن ملأ المادية الوثنيّة من طواغيت قريش لم تقنعهم كلمات عتبة ابن ربيعة إلى محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، بل شكوا في صباءة عتبة؛ إذ لم يرجع إليهم من

<<  <  ج: ص:  >  >>