منهم بأذى، وهذا هو ما اتصل بالمهاجرين إلى الحبشة، ودعاهم إلى التفكير في العودة إلى مكة! وربما ترددوا في هذا العود!
السبب الثاني: الذي ثبّت عزمهم، أن الحبشة شبّت بها يومئذ ثورة على النجاشيّ، لتُهمٍ وُجهت إليه في دينه ولما أبدى من عطف على المسلمين، ولقد أبدى المسلمون أحسن الأمانيّ أن ينصر الله النجاشيّ على خصومه، لكنهم لم يكونوا ليشاركوا في هذه الثورة، وهم أجانب، ولم يك قد مضى على مقامهم بالحبشة زمن قليل، أما وقد ترامت إليهم أنباء الهدنة بين محمد وقريش، هدنة أنجت المسلمين مما كان يصيبهم من الأذى، فخيرٌ لهم أن يدعوا الفتنة وراء ظهورهم، وأن يلحقوا بأهليهم، وهذا ما فعلوه كلّهم أو بعضهم، على أنهم ما كادوا يبلغون (مكّة)، حتّى كانت قريش قد ائتمرت ما تصنع بمحمد وأصحابه، واتفق عشائرها وكتبوا كتاباً تعاقدوا فيه على مقاطعة بني هاشم مقاطة تامة، فلا ينكحوا إليهم -كما سيأتي- وبهذا الكتاب عادت الحرب العنوان بين الفريقين، ورجع الذين عادوا من الحبشة، وذهب معهم من استطاع اللحاق بهم، وقد وجدوا هذه المرّة عنتاً من قريش؛ إذ حاولت أن تمنعهم من الهجرة!
ليس الصلح الذي يشير إليه المستشرق (موير) هو إذن الذي دعا المسلمين إلى العودة من بلاد الحبشة، إنما الذي دعاهم هذه الهدنة التي حدثت على إثر إسلام عمر - رضي الله عنه - وحماسته في تأييد دين الله، فتأييد حديث الغرانيق إذن بحجّة الصلح تأييد غير ناهض!
ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ - فقد تلقّفت ألسن المستشرقين تلك الأباطيل، وقاموا بنشرها، مما يضيق عنه المقام!