وغيره، كالسارق، وعلموا اختلاف طباعها، وتفاوت عقولها، فجبروا كسرها، ورفقوا بضعيفها، وأحسنوا التعاهد لها، فيكون تحمُّلهم لمشقة ذلك أسهل، مما لو كلّفوا القيام بذلك من أول وهلة، لما يحصل لهم من التدريج على ذلك، برعي الغنم، وخصت الغنم بذلك، لكونها أضعف من غيرها؛ ولأن تفرّقها أكثر من تفرّق الإبل والبقر، لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة، ومع أكثرية تفرّقها فهي أسرع انقياداً من غيرها، وفي ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك، بعد أن علم أنه أكرم الخلق على الله، ما كان عليه من عظيم التواضع لربّه، والتصريح بمنّته عليه وعلى إخوانه من الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء!
وهذا لون من الحياة اختاره الله -جل شأنه- لكل من اصطفاهم لرسالته في سياسة الخلق، وتعليمهم شرائع الحياة الصالحة، وأدب العبوديّة، ومعرفة الخالق، ودلائل قدرته في صنائعه!
وإنما جعل الله هذا في الأنبياء تقدمة لهم؛ ليكونوا رعاة الخلق؛ ولتكون أممهم رعايا لهم في عصورهم؛ ولتكون خير أمة أخرجت للناس في مكان القيادة والريادة للإنسانيّة كافة!
[قصة بحيرى الراهب]
وجاء الوقت الذي تهيّأ فيه أبو طالب للرحيل في تجارته إلى الشام، فتعلق به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليأخذه معه، فرق له أبو طالب واصطحبه، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في التاسعة أو العاشرة أو الثانية عشرة من عمره، على اختلاف الروايات!
روى الترمذي قال: حدثنا الفضل بن سهل، أبو العباس الأعرج البغدادي،