أقحم بعض كتّاب السيرة النبويّة، وجماعة من المفسّرين، وطوائف من المحدّثين في كتبهم ودواوينهم ومؤلفاتهم (أقصوصة الغرانيق)(١)، وألصقوها بهجرة الحبشة، وجعلوها سبباً لعودة المهاجرين الأوّلين إلى (مكّة)، وهي (أقصوصة مختلقة باطلة في أصلها وفصلها، وأكذوبة خبيثة في جذورها وأغصانها، وفرية متزندقة) اخترقها (غِرْنَوق) أبله جهول، أو حاقد على الإِسلام زنديق، أو منافق فاجر عربيد، ألقى بها إليه شيطان عابثٌ مريد، يتلعّب بعقول البُلْه المغفَّلين، الذين يتكثّرون تعالماً، ويتلقّفون كل شوهاء فجور، فجرت إلى مجتمعات أعداء الإِسلام، ومن كل يهودي خبيث، وكل ملحد عتيّ، وسرت منهم إلى كل مسلم أبله مغرّر، وكل متعالم مغفّل، وكل جدلي متفيهق، وكل مغرور مخدوع بكواذب المدح والثناء، وكل حفّاظ (صمّام)، وكل جمّاع لا يفقه ولا يتفقّه، وكل جامد مقلّد، وكل حرفيّ متعصّب، وكل ملبّس عليه يزعم أنه مجتهد، وكل خابط هنا وهناك يتكذّب، وكل حاطب في ظلمات الجهل، (يتلقّف العلم) من وراء طنين الأسماء، دون تمحيص ناقد، أو بحث مسددّ، وكل مدّع دعيّ، وكل متسقِّط يزعم أنه مجدّد، وكل ملتقط يزعم أنه متنق، وكل مزهو بالغرور يزعم أنه وحيد دهره، وفريد عصره، بل واحد أمته، لو قيل له إن الشيطان يلبّس عليك في علمك، فيوهمك ما ليس بحق أنه حق لانتفخت أوداجه غضباً لنفسه، ولكنه يقبل ويدافع دفاع المستميت
(١) محمد رسول - صلى الله عليه وسلم -: ٢: ٣٠ وما بعدها بتصرف.