وإن من أول صفات الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي ذكرها ربيبه هند -كما أسلفنا-: أنه كان يخزن لسانه، أي يكون لسانه كأنه في خزانة قد ستر، لا يظهر إلا لخير يرتجيه، فلا يشجع على نفرة؛ بل إنه لا ينطلق إلا فيما يعني الذين يخاطبهم ويفيدهم، ويكون فيه تأليف لقلوبهم، وتقريب لنفوسهم، وتأنيس غريبتهم، ويأمر بإعطاء ذي الحق، ولا يتكلم في مراء، ولا يذم أحداً، ولا يُكثر في قول، خشية سقوط اللسان، لا يعيب الحرمات، ولا يقطع على أحد حديثه، فإذا تكلم هو كان كلامه فصلاً، وكان قوله حكماً!
وجملة القول في ذلك أنه قد استولى على لسانه، فلا يتكلم إلا إذا لزم الكلام لرفع حق، أو خفض باطل، أو تأليف، أو زرع مودة، أو إسداء معروف، فلسانه ليس خارجاً على إرادته، ولكنه مكملها، ويسير تحت سلطانها، وإرادته للحق!
[الصفة الثانية]
والصفة الثانية من أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه يأتلف مع أصحابه، ويمتزج إحساسه الفاضل بإحساسهم، لينساب إلى نفوسهم، يكرم كريمهم، ويرفع خسيسة صغيرهم، حتى يحسّ بأنه منه، ويوزع محبته بينهم، ويعطي نفسه لكل واحد منهم، لدرجة أن كل واحد منهم يشعر أنه موضع الرعاية منه، وإذا رأى أمراً حسناً أعلن حسنه، وإن رأى أمراً قبيحاً نبه إليه في رفق الهادي الأمين الذي يجمع ولا يفرق، ثم هو لا يسكت عن باطل!
وهو بينهم اليقظ الذي لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا، لا يطوي نفسه