للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعددت الروايات فيمن كان رفيقاً لعمرو بن العاص في سفارة المشركين إلى النجاشي .. ونرى أنه يبعد أن يتكرر الحوار بصورته وموضوعه -كما أسلفنا- ولعلّ وحدة الحوار، تفيدنا أن الحوار كان مرّتين: إحداهما في الهجرة الأولى، والثانية في الهجرة الثانية، وأن سفارة المشركين الأولى كانت استطلاعاً وتعرّفاً .. وعلى كل، فهذا ما نراه في هذا المقام!

هذا، وقصة إسلام النجاشي وغلبة وفد المسلمين على الكافرين عنده قصة واضحة الدلالة في أن الجاهليّة قد عقدت العزم على أن تمضي قدماً في عنفها واضطهادها وتعذيبها للمسلمين .. ولعل حادثة انتصار الأحباش لنصارى اليمن التي كانت حاضرةً في أذهان العرب كانت ذات تأثير في توجيه الهجرة إلى هذه البلاد، فالمسلمون يكسبون حليفاً قويًّا، والمشركون يقع في نفوسهم شيء من الخوف والتوجس والجنوح إلى الارعواء؛ بسبب توثّق الصلة بين المسلمين وهذا الحليف القوي! (١)

عالميّة الدعوة الإِسلاميّة:

وبمجرد إلقاء نظرة سريعة على عدد المهاجرين إلى الحبشة تتبدّى لنا سعة الدائرة البشريّة التي امتدت إليها الدعوة الإِسلاميّة؛ لكي تجذب إليها عناصر من شتّى القبائل المكيّة، وتجاوزت بذلك دائرة العصبيّة الضيّقة في طريقها الطبيعي صوب الاتساع والشمول، لتضم الأجناس والألوان. وهذا التنوع يقدّم دليلاً آخر على رفض الدافع المادّي للانتماء إلى الدعوة أو مقاومتها!

ويطالعنا قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)} (الأنبياء)!


(١) الهجرة النبوية: ٩٧ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>