سبق أن عرفنا كيف كانت الحياة في مكّة جهاداً للنفس، وصبراً على الأذى .. ومع ذلك مضت الدعوة إلى الله تشقّ طريقها الصعب، بين قبائل قريش رجالاً ونساءً، وقريش تحبس من قدرت على حبسه. وتعذّب من استطاعت تعذيبه!
ورأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد سنتين من الجهر بالدعوة أن الجاهليّة ماضية في عنفها واضطهادها وتعذيبها، مصمّمة على استخدام كل أسلوب لوقف الدعوة الإِسلاميّة، وهي بعد في المهد!
وهنا أراد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يمنح المضطهدين فترةً من الوقت، يستردّون فيها أنفاسهم، ويعودون ثانيةً إلى ساحة الصراع وهم أقدر وأصلب .. وعسى الله أن يجعل بعد عسر يسراً، فأشار عليهم بالهجرة إلى الحبشة!
روى ابن إسحاق وغيره (١): فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يُصيب أصحابه من البلاء، وما هو فيه من العافية، بمكانه من الله، ومن عمه أبي طالب،
(١) ابن هشام: ١: ٣٩٧ معلقاً، والبيهقي: الدلائل: ٢: ٢٨٣ من طريق موسى بن عقبة، ولم يسمّ من حدثه، والطبري: التاريخ من طريق ابن إسحاق: ٢: ٢٣٠ - ٣٣١ قال الذهبي: السيرة: ورواه يحيى بن أبي طالب عن بشار عن عبد الله بن إدريس، ثنا ابن إسحاق، حدثني الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن وعروة وعبد الله بن أبي بكر وصل الحديث عن أبي بكر عن أم سلمة قالت: وذكر الحديث، قال البغوي: تاسع المخلصيات: وروى ابن عوف عن عمير بن إسحاق عن عمرو بن العاص بعض هذا الحديث: السيرة للذهبي: ١٨٣ - ١٨٤ فيكون صحيحاً بالسند الذي ذكره الذهبي!