والتدافع والتقاتل، فليصبروا، وليصابروا، وليعفوا وليصفحوا، وليغضّوا الطرف عن سفاهة السفهاء، وليغمضوا الأعين علي قذى قسوة الآباء والأمّهات، حتى يقضي الله تعالى بالفرج!
ولمعت بارقة الفرج من أفق الغيب، فإذا بها آية من آيات الله لنشر رسالته العامّة الخالدة، في أرض غير أرض العتوّ والجبروت، بطريقة لا تلتزم خطة التبليغ في أرض العتوّ والجبروت!
[هجرة تبليغ الرسالة]
فليبق ملأ قريش على كفره وعتوّه، وفجوره وبغيه، ولتبق -إلى حين- قريش كلها في (مكّة) مطموسة البصيرة، منقادة بسلطان ملئها من الطغاة الذين لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم، وليخرج المصطفون لتلقّي آية الفرج، إلى حيث يأمنون على أنفسهم الفتنة في دينهم، يعبدون ربّهم في غير خوف ولا إزعاج، ويبلّغون رسالته بلاغاً ترسم له العناية الإلهيّة طريقه في غير إثارة ولا استفزاز، فلا فرار، ولا هرب، ولكنها نقلة يؤدّى فيها حق الدعوة بصورة من صور تبليغ الرسالة، فلتتصوّرها قريش ومن والاها فراراً وهرباً، وليتصوّرها أصحاب العقول السطحيّة الذين لا يتعمّقون الأحداث، ولا يأخذون في حسابهم النتائج مرتبطةً بالمقدّمات، ولكنهم ينظرون إلى الوقائع فرادى، منقطعة الصلات بين مباديها ونهاياتها، هجرة لمجرّد الراحة من مسّ الأذى ومرّ العذاب، هجرة للأمن والسلام!
والراحةُ والأمنُ قد يكونان مقصودين، ولكن قصدهما لا يمنع أن يؤاخيهما في القصد أساس الإيمان بالدعوة، بل لا يمنع أن يكون الأمن والراحة مقصودين